والذي قدمته من الأمثلة المسجوعة للصابي والصاحب ابن عبَّاد ربما كانت يسيرة أتَّهَم فيها بالتعصب، ويقال: إني التقطتها التقاطًا من جملة رسائلهما!
وقد خرجت من عهدة هذه التهمة، وذاك أنِّي وجدت للصابي تقليدًا بنقابة الأشراف العلويين ببغداد, وكنت أنشأت تقليدًا بنقابة الأشراف العلويين بالموصل، وقد أوردت التقليدين ههنا، ليتأملهما الناظر في كتابي هذا, ويحكم بينهما إن كان عارفًا, أو يسأل عنهما العارف إن كان مقلدًا.
تقليد الصابي:
وقد أوردت تقليد الصابي أولًا؛ لأنه المقدَّم زمانًا وفضلًا، وهو:
"هذا ما عهد أمير المؤمنين إلى محمد بن الحسين بن موسى العلوي، الموسوي، حين وصلته به الأنساب، وتأكدت له الأسباب، وظهرت دلائل عقله ولبابته، ووضحت مخايل فضله ونجابته، ومهَّد له بهاء الدولة وضياء الملة أبو نصر بن عضد الدولة وتاج الملة, مولى أمير المؤمنين ما مكَّن له عند أمير المؤمنين من المحل المكين، ووصفه به من الحلم الرزين، وأشاد به فيه من رفع المنزلة، وتقديم المرتبة، والتأهيل لولاية الأعمال، والحمل للأعباء الثقال، وحيث رغَّبه فيه سابقه الحسين أبيه، في الخدمة والنصيحة, والمواقف المحمودة، والمقامات المشهودة، التي طابت بها أخباره، وحسنت فيها آثاره، وكان محمد متخلقًا بخلائقه، وذاهبًا في طرائقه، علمًا وديانة، وورعًا وصيانة، وعفَّة وأمانة، وشهامة وصرامة، بالحظ الجزيل، من الفضل الجميل، والأدب الجزل، والتوجه في الأهل، والإيفاء بالمناقب على لداته وأترابه، والإبرار على قرائبه وأضرابه، فقلَّده ما كان داخلًا في أعمال أبيه من نقابة نقباء الطالبين أجمعين, بمدينة السلام وسائر الأعمال والأمصار شرقًا وغربًا، وبعدًا وقربًا، واختَّصه ذلك جذبًا بصنعه، وإنافة بقدره، وقضاء لحق رحمه، وترفيهًا لأبيه، وإسعافًا بإيثاره فيه أمير المؤمنين, واستخلافه عليه من النظر في المظالم، وتسيير الحجيج في المواسم، والله يُعْقِب أمير المؤمنين فيما أمر ودبَّر حُسْنَ