للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاقبة فيما قضى وأمضى، وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله, عليه يتوكل وإليه ينيب.

وأمره بتقوى الله التي هي شعار المؤمنين، وسناء الصالحين، وعصمة عباد الله أجمعين، وأن يعتقدها سرًّا وجهرًا، ويعتمدها قولًا وفعلًا, ويأخذ بها ويعطي، ويسر بها وينوي، ويأتي ويذر، ويورد ويصدر، فإنها السبب المتين، والمعقل الحصين، والزاد النافع يوم الحساب، والمسلك المفضي إلى دار الثواب، وقد حض الله أولياءه عليها، وهداهم في محكم كتابه إليها، فقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ١.

وأمره بتلاوة كتاب الله مواظبًا، وتصفُّحه مدوامًا ملازمًا، والرجوع إلى أحكامه فيما أحلَّ وحرم، ونقض وأبرم، وأثاب وعاقب، وباعد وقارب، فقد صحَّح الله برهانه وحجته، وأوضح منهاجه ومحجته، وجعله نجمًا في الظلمات طالعًا، ونورًا في المشكلات ساطعًا، فمن أخذ به نجا وسلم، ومن عدل عنه هوى وندم، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ٢.

وأمره بتنزيه نفسه عمَّا تدعو إليه الشبهات، وتطلع إليه التبعات، وأن يضبطها ضبط الحليم، ويكفها كف الحكيم، ويجعل عقله سلطانًا عليها، وتمييزه آمرًا ناهيًا لها، ولا يجعل لها عذرًا إلى صبوة ولا هفوة، ولا يطلق منها عنانًا عند ثورة، لا فورة، فإنها أمَّارة بالسوء, منصَبَّة إلى الغيّ، فمن رفضها نجا، ومن اتبعها هوى، فالحازم متَّهم عند تحرك وطره وأربه, واهتياج غيظه، ولا يدع أن يغضَّها بالشكيم، ويعركها عرك الأديم، ويقودها إلى مصالحها بالخزائم، ويفتقدها من مقارفة المآثم والمحارم، كيما يعزّ بتذليلها وتأديبها, ويجل برياضها وتقويمها، والمفرط تطمح به إذا طمحت، ويجمح معها إذا جمحت، ولا يلبث أن تورده حيث لا يصدر، وتلجئه إلى أن تعتذر، وتقيمه مقام النادم الواجم، وتتنكَّب به سبيل الراشد السالم،


١ سورة التوبة: الآية ١١٩.
٢ سورة فصلت: الآيتان ٤١، ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>