للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحقُّ من تحلَّى بالمحاسن، وتصدَّى لاكتساب المحامد، من ضرب بمثل سهمه في نسب أمير المؤمنين الشريف، ومنصبه المنيف، واجتمع معه في ذؤابة العترة الطاهرة، واستظلّ بأوراق الدوحة الفاخرة، فذلك الذي تتضاعف به المآثر إن آثرها، والمثالب إن أسف إليها, ولا سيما من كان مندوبًا بالسياسة, ومرشحًا للتقليد على أهله؛ إذ ليس يفي بالصلاح لمن ولي عليه، ولا يفي بإصلاح ما بين جنبيه، ومن أعظم الهجنة عليه أن يأمر ولا يأتمر، ويزجر ولا يزدجر، قال الله تعالى -جل ذكره: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ١.

وأمره أن يتصفَّح أحوال من ولي عليهم من استقراء مذاهبهم، والبحث عن بواطنهم ودخائلهم، وأن يعرف لمن تقدَّمت قدمه منهم, وتظاهر فضله فيهم منزلته، ويوفِّيه حقَّه وزينته، وينتهي في إكرام جماعتهم إلى الحدود التي توجبها أنسابهم وأقدارهم، وتقتضيها مواقعهم وأخطارهم، فإن ذلك يلزمه لشيئين:

أحدهما: يخصُّه، وهو النسب الذي بينه وبينهم.

والآخر: يعمّه والمسلمين جميعًا, وهو قول الله -جل ذكره: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ٢ فالمودة لهم الإعظام لأكابرهم، والاشتمال على أصاغرهم، واجب متضاعف الوجوب عليه، متأكد اللزوم له، ومن كان منهم في دون تلك الطبقة من أحداثٍ لم يحتنكوا عليه، وجذعان لم يقرحوا, ومجرين إلى ما يزري بأنسابهم، ويغض من أحسابهم عذلهم, وأنبهم، ونهاهم ووعظهم، فإن نزعوا وأقلعوا فذاك المراد بهم، والمقصد فيهم، وإن أصروا وتتابعوا أنَّا لهم من العقوبة بقدر ما يكف ويردع، فإن نفع وإلّا تجاوزه إلى ما يلذع ويوجع، من غير تطرق لأعراضهم، ولا امتهانٍ لأحسابهم، فإن الغرض منهم الصيانة لا الإهانة، والإدالة لا الإذالة, وإذا وجبت عليهم الحقوق, أو تعلقت بهم دواعي الخصوم, قادهم إلى الإغفاء بما يصح منها ويجب، والخروج إلى سنن الحق فيما يشتبه ويلتبس، ومتى لزمتهم الحدود أقامها عليهم بحسب ما أمره الله تعالى فيها، بعد أن تثبت الجرائم وتصح، وتبين وتتضح، وتتجرد


١ سورة البقرة: الآية ٤٤.
٢ سورة الشورى: الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>