فيه اليد المستحقة, وتحرَّى في قضاياه أن تكون موافقة للعدل، ومجانبة للخذل, فإنَّ عادة الحكام وصاحب المظالم واحدة، وهي إقامة الحق ونصرته، وإبانته وإثارته، وإنما يختلف سبيلاهما في النظر؛ إذ كان الحاكم يعمل بما ثبت عنده وظهر، وصاحب المظالم يفحص عمَّا غمض واستتر، وليس له مع ذلك أن يرد للحاكم حكومة، ولا يعلّ له قضية، ولا يتعقَّب ما ينفذه ويمضيه، ولا يتتبع ما يحكم به ويقضيه، والله يهديه ويوفقه، ويسدده ويرشده.
وأمره أن يسير حجيج بيت الله -عز وجل- إلى مقصدهم، ويحميهم في بدأتهم وعودتهم، ويرتبهم في مسيرهم ومسلكهم، ويرعاهم في ليلهم ونهارهم، حتى لا تنالهم شدة, ولا تصل إليهم مضرَّة، وأن يريحهم في المنازل، ويوردهم المناهل، ويناوب بينهم في النهل والعلل، ويمكنهم من الارتواء والاكتفاء، مجتهدًا في الصيانة لهم، ومعذرًا في الذبِّ عنهم، ومتلوِّمًا على متأخرهم ومتخلفهم، ومنهضًا لضعيفهم ومهيضهم، فإنهم حجاج بيت الله الحرام، وزوَّار قبر رسوله -صلى الله عليه وسلم؛ قد هجروا الأهل والأوطان، وفارقوا الجيرة والإخوان، وتجشَّموا المغارم الثقال، وتعسَّفوا السهولة والجبال، يلبون دعاء الله, ويطيعون أمره، ويؤدون فرضه، ويرجون ثوابه, وحقيقٌ على المسلم أن يحرسهم متبرعًا، ويحوطهم متطوعًا, فكيف من تولَّى ذلك وضمنَه، وتقلَّده واعتقبه? قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ١.
وأمره أن يراعي أمور المساجد بمدينة السلام وأطرافها وأقطارها وأكنافها، وأن يجبي أموال وقفها، ويستقصي جميع حقوقها، وأن يلمَّ شعثها، ويسدّ خللها، بما يتحصَّل من هذه الوجوه قبله، لا يزيل رسمًا جرى، ولا ينقض عادة كانت لها, وأن يكتب اسم أمير المؤمنين على ما يعمره منها، ويذكر اسمه بعده بأن عمارتها جرت على يده، وصلاحٌ أدَّاه قول أمير المؤمنين في ذلك، تنويهًا باسمه، وإشادةً لذكره، وأن يولي ذلك من قبله من حسنت أمانته، وظهرت عفته وصيانته، فقد قال الله -جل من قائل: {إِنَّمَا