للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّادِقِينَ} ١ إلى آي كثيرة حضَّنا بها على أكرم الخلق، وأسلم الطرق، فالسعيد من نصبها إزاء ناظره، والشقي من نبذها وراء ظهره، وأشقى منها من بعث عليها وهو صادفٌ عنها، وأهاب إليها وهو بعيد منها، وله ولأمثاله يقول الله تعالى -جلَّ ذكره: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ٢.

وأمره أن يتخذ كتاب الله إمامًا متبعًا، وطريقًا متوقعًا، ويكثر من تلاوته إذا خلا بذكره، ويملأ بتأميله أرجاء صدره، فيذهب معه فيما أباح وحظر، ويقتدي به إذا نهى وأمر، ويستبين ببيناته إذا استغلقت دونه المعضلات، ويستضيء بمصابيحه إذا غمَّ عليه في المشكلات، فإنَّه عروة الإسلام الوثقى، ومحجته الوسطى، ودليله المقنع، وبرهانه المرشد، والكاشف لظُلَم الخطوب، والشافي من مرض القلوب، والهادي لمن ضلَّ، والمتلافي لمن زلَّ، فمن نجا به فقد فاز وسلم، ومن لها عنه فقد خاب وندم، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ٣.

وأمره أن يحافظ على الصلوات، ويدخل فيها في حقائق الأوقات، قائمًا على حدودها، متبعًا لرسومها، جامعًا فيها بين نيته ولفظه، متوقيًا لمطامح سهوه ولحظه، منقطعًا إليها عن كل قاطع لها، مشغولًا بها عن كل شاغلٍ عنها، متثبتًا في ركوعها وسجودها، مستوفيًا عدد مفروضها ومسنونها، موفِّرًا عليها ذهنه، صارفًا إليها همَّه، عالمًا بأنه واقف بين يدي خالقه ورازقه، ومحييه ومميته، ومعاقبه ومثيبه، لا تُسْتَرُ دونه خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قضاها على هذه السبيل منذ تكبيرة الإحرام إلى خاتمة التسليم, أتبعها بدعاء يرتفع بارتفاعها، ويُسْتَمَع باستماعها، لا يتعدَّى فيه مسائل الأبرار، ورغائب الأخيار، من استصفاحٍ واستغفارٍ، واستقالةٍ واسترحام، واستدعاء


١ سورة التوبة: الآية ١١٩.
٢ سورة البقرة: الآية ٤٤.
٣ سورة فصلت: الآيتان ٤١، ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>