للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يريح العَمَلَةَ فيما يحتاج إليه من راتب نفقات هذه الثغور وحادثها, وبناء حصونها ومعاقلها، واستطراق طرقها ومسالكها، وإفاضة الأقوات والعلُوفة فيها للمترتبين بها، والمترددين إليها، والحامين لها.

وأن يبذل أمانة لمن طلبه، ويعرضه على من لم يطلبه، ويفي بالعهد إذا عاهد، وبالعقد إذا عاقد، غير مخفر ذمَّةً، فقد أمر الله تعالى بالوفاء، فقال -عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ١ ونهى عن النكث، فقال عز من قائل: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} ٢.

وأمره أن يعرض مَنْ في حبوس عمله على جرائمهم، فمن كان إقراره واجبًا أقرَّه، ومن كان إطلاقه سائغًا أطلقه، وأن ينظر في الشرطة والأحداث نظر عدل وإنصاف، ويختار لها من يخاف الله ويتقيه، ولا يجابي ولا يراقب فيه، ويتقدَّم إليهم بقمع الجهال، وردع الضلال، وتتبُّع الأشرار، وطلب الزُّعار٣، مستدلين على أماكنهم، متوغِّلين إلى مكامنهم، متولجِّين عليهم في مظانِّهم، متوثِّقين ممن يجدونه منهم، منفِّذين أحكام الله تعالى فيهم، بحسب الذي يتبين من أمرهم، ويصح من فعلهم، في كبيرة ارتكبوها، وعظيمة احتقبوها٤، ومهجةٍ إن أفاظوها واستهلكوها، وحرمةٍ إن استباحوها وانتهكوها، فمن استحق حدًّا من حدود الله المعلومة أقاموه عليه, غير مخففين منه، وأحلُّوه به غير مقصرين عنه، بعد ألّا يكون عليهم في الذي يأتونه حجة، ولا يعترضهم في وجوبه شبهة، فإنَّ الواجب في الحدود أن تقام بالبينات، وأن تدرأ بالشبهات، فأولى ما توخَّاه رعاة الرعايا فيها ألا يقدِموا عليها مع نقصان، ولا يتوقَّفوا عنها مع قيام الدليل، ومن وجب عليه القتل احتاط بما يحتاط به على مثله من الحبس الحصين، والتوثق الشديد، وكتب إلى أمير المؤمنين بخبره، وشرح جنايته


١ سورة المائدة: الآية ١.
٢ سورة الفتح: الآية ١٠.
٣ الزعار: ذو الشراسة وسوء الخلق.
٤ احتقبوها: ارتكبوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>