للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمتابه، وهل أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصمًا، ويصبح وهو مطالب بهم ما يعلم وبما لم يُحِطْ به عِلْمًا؟ وأنت مأمور بأن تأتي هذه الظلامات فتنجي على إبطالها، وتلحق أسماءها في المحو بأفعالها، حتى لا يبقى لها في العيان صورةً منظورة، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة، فإذا فعلت ذلك كنت قد أزلت عن الماضي سنَّة سوء سنَّتها يداه، وعن الآتي متابعة ظلم وجده نهجًا مسلوكًا فجرى على مداه، فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من لم يضق ذرعًا، ونظر إلى الحياة الدنيا بعينه فرآها في الآخرة متاعًا، واحمد الله تعالى على أن قيَّض للإمام هدى يقف بك على هداك، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عِدَاك.

وهذه البلاد المنوطة بطرفك تشتمل على أطراف متباعدة, وتفتقر في سياستها إلى أيدٍ متساعدة، ولهذا يكثر بها قضاة الأحكام، وأولو تدبيرات السيوف والأقلام، وكل من هؤلاء ينبغي أن يقف على باب الاختيار، ويسلّط عليه شاهدًا عدل من أمانة الدرهم والدينار، فما أضلَّ الناس شيء كحب المال الذي فُورِقَت من أجله الأديان، وهُجِرَت بسببه الأولاد والإخوان، وكثيرًا ما نرى الرجل الصائم القائم وهو عابد له عبادة الأوثان، فإذا استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك فاضرب عليه بالأرصاد، ولا ترض بما عرفته من مبدأ حاله فإن الأحوال تنتقل منتقل الأجساد، وإياك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خُدِعَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالربيع بن زياد، وكذلك أؤمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم بأن يأمروا بالمعروف مواظبين، وينهوا عن المنكر حاسبين، ويعلموا أن ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الله الغالبين، وليبدأوا أولًا بأنفسهم فيعدلوا بها عن هواها، ويأمروها بما يأمرون به سواها، ولا يكونون ممن هدى إلى طريق البرِّ وهو عنه حائد، وانتصب لطلب المرضى وهو محتاج إلى طبيب وعائد، فما تنزل بركات السماء إلا على من خاف مقام ربه، وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه، وإذا صلحت الولاة صلحت الرعية بصلاحهم، وهم لهم بمنزلة المصابيح ولا يستضيء كل قوم إلّا بمصباحهم، ومما يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخوانًا في الاصطحاب، وجيرانًا في الاقتراب، وأعوانًا في توزُّع الحمل الذي يثقل على

<<  <  ج: ص:  >  >>