للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ورد للعرب شيء من ذلك إلّا أنَّه قليل، فممَّا جاء منه قول بعضهم في أبيات الحماسة١:

إنَّ التي زعمت فؤادك ملها ... خلُقِتَ هواك كما خلقت هوىً لها

بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقةٍ فأدقها وأجلَّها

حجبت تحيَّتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلَّها

وإذا وجدت لها وساوس سلوةٍ ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلَّها

وهذا من اللطافة على ما يشهد لنفسه.

ومما يجري هذا المجرى قول حجر بن حيَّة العبسي من شعراء الحماسة أيضًا٢:

ولا أدوم قدري بعدما نضجت ... بخلًا فتمنع ما فيها أثافيها٣

حتى تُقَسَّمَ شتَّى بين ما وسعت ... ولا يؤنّب تحت الليل عافيها٤

ومما ورد من ذلك أيضًا قول طرفة بن العبد البكري:

ألم تر أن المال يكسب أهله ... فضوحًا إذا لم يعط منه نواسبه

أرى كل مالٍ لا محالة ذاهبًا ... وأفضله ما ورَّث الحمد كاسبه

وكذلك قول الفرزدق:

وغيَّر لون راحلتي ولوني ... تردِّي الهواجر واعتمامي

أقول لها إذا ضجرت وغصَّت ... بموركة الوراك مع الزمام

علام تلفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي


١ مضى الكلام في هذا الشعر في ص١٩٠ من هذا الكتاب.
٢ ديوان الحماسة ٢/ ٢٨٩، والواقع أنه لا التزام في هذا الشعر إلّا في هذين البيتين, وبعدهما بيتان لا التزام فيهما وهما:
لا أحرم الجارة الدنيا إذا اقتربت ... ولا أقوم بها في الحي أخزيها
ولا أكلمها إلّا علانية ... ولا أخبرها إلّا أناديها
٣ رواية الحماسة "لتمنع" موضع "فتمنع", والأثافيّ الحجارة التي توضع عليها القدر.
والمعنى: لا أدع قدري بعد نضجها على الأثافي بخلًا بما فيها، بل أنزلها عنها، وأطعم منها الأضياف, وكان من عادة البخيل أن يترك القدر منصوبة على الأثافي، ليرى غيره أن القدر لم تنضج.
٤ لا يؤنّب أي: لا يلام، والعافي في طالب المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>