للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك في الشعر وفي الكلام المنثور لا يقال إنه التزام؛ لأنَّ المتلزم ما لا يلزم له مندوحة في العدول إلى غيره، وههنا لا مندوحة.

ومن لطيف ذلك ما يروى لامرأة من البصرة مَجَنَت بأبي نواس، فقالت:

إنَّ حِرى حزنبل حزابيه ... إذا قعدت فوقه نبابيه١

كالأرنب الجاثم فوق الرابيه

وكذلك ورد قول أبي تمام، وهو٢:

خدم العلا فخَدَمنه وهي التي ... لا تخدم الأقوام ما لم تُخْدَم

فإذا ارتقى في قلةٍ من سؤددٍ ... قالت له الأخرى بلغت تقدَّم

وعلى هذا الأسلوب قوله أيضًا٣:

ولو جرَّبتني٤ لوجدت خرقًا ... يصافي الأكرمين ولا يصادي

جديرًا أن يكر الطَّرف شزرًا ... إلى بعض الموارد وهو صاد

وله من أبيات تتضمَّن مرثية٥:

لقد فُجِعَت عتَّابه وزُهَيْرَه ... وتغلِبُه٦ أخرى الليالي ووائله

ومبتدر المعروف تسرى هباته ... إليهم ولا تسرى إليهم٧ غوائله

طواه الردَّى طي الرداء وغيبت ... فضائله عن قومه وفواضله

طوى شيمًا كانت تروح وتغتدي ... وسائل من أعيت عليه وسائله


١ الحزنبل: المشرف، والحزابية: الغليظ.
٢ ديوان أبي تمام ٣١٣ من قصيدة يمدح بها أبا الحسين محمد بن الهيثم، ومطلعها:
نثرت فريد مدامع لم تنظم ... والدمع يحمل بعض شجو المغرم
٣ ديوان أبي تمام ٨١ من قصيدة يمدح بها أبا عبد الله أحمد بن أبي داود، ويعتذر إليه ومطلعها:
سقى عهد الحمى سبلي العهاد ... وروض حاضر منه وباد
٤ رواية الديوان "ولو كشفتني", والخرق: السخي، ويصادي: يعارض.
٥ ديوان أبي تمام ٣٧٧ من قصيدة يرثي بها القاسم بن طوق، ومطلعها:
جوى ساور الأحشاء والقلب واغله ... ودمع يضيم العين والجفن هامله
٦ في الأصل "وثعلبة" والصواب عن الديوان، وفجعت أصيبت، وعتاب وزهير وتغلب ووائل قبائل.
٧ المبتدر: المسرع، الغوائل: المهلكات.

<<  <  ج: ص:  >  >>