للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسب أو إلى غير ذلك؛ انتقل١ قبحها فصار حسنًا، وحسنها صار قبحًا.

فمن ذلك لفظة "خود"٢ فإنها عبارة عن المرأة الناعمة، وإذا نقلت إلى صيغة الفعل قيل "خَوَّدَ"٣ على وزن "فَعَّلَ" بتشديد العين، ومعناها: أسرع، يقال: خوَّدَ البعير إذا أسرع؛ فهي على صيغة الاسم حسنة رائقة، وقد وردت في النظم والنثر كثيرًا، وإذا جاءت على صيغة الفعل لم تكن حسنة، كقول أبي تمامٍ٤:

وإلى بني عبد الكريم تواهقت ... رتك النعام رَأَى الظلام فخوَّدَ٥

وهذا يقال على أشباهه وأنظاره، إلّا أن هذه اللفظة التي هي "خَوْد" قد نقلت عن الحقيقة إلى المجاز، فخفَّ عنها ذلك القبح قليلًا؛ كقول بعض شعراء الحماسة٦:

أقول لنفسي حين خَوَّدَ رألها ... رويدك لمَّا تُشْفِقِي حين مُشْفَق٧

رويدك حتى تنظري عمَّ تنجلي ... غيابةُ هذا البارق المتألق٨

والرأل: النعام، والمراد به ههنا: أن نفسه فرَّت وفزعت، وشبَّه ذلك بإسراع النعام في فراره وفزعه، ولما أورده على حكم المجاز خفَّ بعض القبح الذي على لفظة "خَوَّد"، وهذا يدرك بالذوق الصحيح، ولا خفاء بما بين اللفظة في إيرادها ههنا, وإيرادها في بيت أبي تمام؛ فإنها وردت في بيت أبي تمام قبيحة سمجة، ووردت ههنا بين بين.


١ جواب "إذا" في قوله: "إذا نقلت ... ".
٢ الخَوْد: المرأة الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة, وهي بفتح الخاء وسكون الواو، وجمعها خُوَد -بضم الخاء.
٣ التخويد: سرعة السير.
٤ ديوان أبي تمام ١٢٥ من قصيدة يمدح بها أحمد بن عبد الكريم، ومطلعها:
يا دارُ دارَ عليك أرهام النَّدى ... واهتزَّ روضك في الثَّرى فتأوَّدَا
٥ تواهقت: مدت أعناقها وتسابقت، الرتك: سرعة في مقاربة خطو، خود: اهتز من النشاط.
٦ ديوان الحماسة ١/ ١٤٣, وقد نسب هذا الشعر لرجل من بني أسد قاله في يوم اليمامة.
٧ رواية ديوان الحماسة "مكانك" موضع "رويدك" في البيتين؛ وخوَّدَ: أسرع، والرأل: فرخ النعام، ويقال للمذعور والمرتاع "خوَّد رأله" وهو مثل، وقوله: "لما تُشْفِقِي حين مشفق" أي: لم تخافي وقت مخافة، والمعنى: ليس هذا وقت الخوف فاصبري فإنه وقت صبر.
٨ رواية الحماسة "عماية" موضع غيابة" والعارض: السحاب، والمراد هنا الجيش.

<<  <  ج: ص:  >  >>