للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا النوع لفظة "وَدَعَ" وهي فعلٌ ثلاثي لا ثقل بها على اللسان، ومع ذلك فلا تستعمل على صيغتها الماضية إلّا جاءت غير مستحْسَنة، ولكنها تستعمل مستقلة، وعلى صيغة الأمر، فتجيء حسنة.

أما الأمر فكقوله تعالى: { ... يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} ١ ولم تأت في القرآن الكريم إلّا على هذه الصيغة!!

وأما كونها مستقبلةً فكقول النبي -صلى الله عليه وسلم, وقد واصل في شهر رمضان فواصل معه قوم: "لو مدَّ لنا الشهر لواصلنا وِصالًا يَدَعُ له المتعمِّقُون تعمقهم".

وقال أبو الطيب المتنبي٢:

تشُقُّكم بقناعها كل سلهبةٍ ... والضَّرب يأخذ منكم فوق ما يدع٣

وأمَّا الماضي في هذه اللفظة فلم يستعمل إلّا شاذًّا ولا حسن له، كقول أبي العتاهية:

أثْرَوا فلم يدخلوا قبورهم ... شيئًا من الثروة التي جمعوا

وكان ما قدَّموا لأنفسهم ... أعظم نفعًا من الذي وَدَعُوا

وهذا غير حسن في الاستعمال، ولا عليه من الطلاوة شيء.

وهذه لفظة واحدة لم يتغيِّر من حالها شيء، سوى أنها نقلت من الماضي إلى المستقبل لا غير.

وكذلك لفظة "وَذَرَ"، فإنها لا تستعمل ماضية، وتستعمل على صيغة الأمر، كقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} ٤.


١ في القرآن الكريم سورة الزخرف: الآية ٨٣ {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} وقد رواه ابن الأثير "فدعهم" ليكون شاهدًا على ما ذهب إليه؛ وهذا وَهْمٌ منه لاتفاق اللفظين في المعنى.
٢ ديوان المتنبي ٢/ ٢٣٠ من قصيدة في مدح سيف الدولة مطلعها:
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ... إن قاتلوا جبنوا أو حدثوا شجعوا
٣ رواية الديوان "بقناها" موضع "بفتاها", ومعنى فتاها: فارسها، والقنا: الرماح، السلهية: الطويلة من الخيل.
٤ سورة الحجر: الآية ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>