للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتستعمل مستقبلة أيضًا، كقوله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ, وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ, لا تُبْقِي وَلا تَذَر} ١.

فهي لم ترد في القرآن إلّا على هاتين الصيغتين، وكذلك في فصيح الكلام غير القرآن.

وأمَّا إذا جاءت على صيغة الماضي فإنها لا تستعمل، وهي أقبح من لفظة "وَدَعَ"؛ لأن لفظة "وَدَعَ" قد استعملت ماضية، وهذه لم تستعمل.

وههنا فلينعم الخائضون في هذا الفن نظرهم، ويعلموا أن في الزوايا خبايا، وإذا أنعموا الفكر في أسرار الألفاظ عند الاستعمال، وأغرقوا في الاعتبار والكشف وجدوا غرائب وعجائب.

ومن هذا النوع لفظة "الأخْدَع"، فإنها وردت في بيتين من الشعر، وهي في أحدهما حسنة رائقة، وفي الآخر ثقيلة مستكرهة، كقول الصمَّة بن عبد الله٢ من شعراء الحماسة٣:

تلفتُّ نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتًا وأخْدَعَا٤

وكقول أبي تمام٥:

يا دهر قوِّم من أَخْدَعَيْك فقد ... أضججت هذا الأنام من خرقك٦

ألا ترى أنه وُجِدَ لهذه اللفظة في بيت أبي تمام من الثقل على السمع والكراهة في النفس أضعاف ما وجد لها من بيت الصمَّة بن عبد الله٧ من الروح والخفَّة والإيناس والبهجة؟ وليس سبب ذلك إلّا أنها جاءت موحَّدة في أحدهما مثناة في الآخر،


١ سورة المدثر: الآيات ٢٦-٢٨.
٢ في الأصل "ابن الصمة عبد الله".
٣ ديوان الحماسة ٢/ ٥٦.
٤ الليث: صفحة العنق، والأخدع: عرق فيها، نصبهما على التمييز، والإصغاء: الميل.
٥ ديوانه ٢١٠ من قصيدة يمدح فيها محمد بن الهيثم ويهنئه ببرئه، ومطلعها:
قد مات محل الزمان من فرقك ... وأكتنَّ أهل الإعدام في ورقك
٦ الخرق: الحمق.
٧ في الأصل "ابن الصمة عبد الله", وبيت الصمة وبيت أبي تمام تكلَّم عنهما عبد القاهر الجرجاني بمثل هذا الكلام الذي نقله ابن الأثير, وانظر دلائل الإعجاز ٣٨، ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>