للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت حسنة في حالة الإفراد، مستكرَهَة في حالة التثنية، وإلّا فاللفظة واحدة، وإنما اختلاف صيغتها فعل بها ما ترى.

ومن هذا النوع ألفاظٌ يُعْدَل عن استعمالها من غير دليل يقوم على العدول عنها، ولا يُسْتَفْتَى في ذلك إلّا الذوق السليم، وهذا موضع عجيب لا يُعْلَمُ كُنْه سِرِّه.

فمن لفظ "الَّلبّ" الذي هو العقل، -لا لفظة "الُّلبّ" الذي تحت القشر- فإنها لا تحسن في الاستعمال إلا مجموعة، وكذلك وردت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وهي مجموعة، ولم ترد مفردة، كقوله تعالى: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ١ و {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ٢ وأشباه ذلك.

وهذه اللفظة الثلاثية خفيفة على النطق، ومخارجها بعيدة، وليست بمستثقلة ولا مكروهة.

وقد تستعمل مفرَدة بشرط أن تكون مضافة أو مضافًا إليها؛ أما كونها مضافًا إليها, فكقولنا: لا يعلم ذلك إلّا ذو لب، وإن في ذلك لعبرة لذي لبّ، وعليه ورد قول جرير:

إن العيون التي في طرفها حورٌ٣ ... قتلننا ثم لم يحينا قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا

وأما كونها مضافة فكقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكر النساء: "ما رأيت ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهب للبِّ الحازم من إحداكن يا معشر النساء".

فإن كانت هذه اللفظة عارية عن الجمع أو الإضافة فإنها لا تأتي حسنة، ولا تجد دليلًا على ذلك إلا مجرد الذوق الصحيح.

وإذا تأمَّلت القرآن الكريم ودقَّقت النظر في رموزه وأسراره وجدت مثل هذه اللفظة قد روعي فيها الجمع دون الإفراد, كلفظة "كوب"، فإنها وردت في القرآن مجموعة، ولم ترد مفردة، وهي وإن لم تكن مستَقْبَحة في حال إفرادها, فإنَّ الجمع فيها أحسن.


١ سورة ص: الآية ٢٩.
٢ سورة الزمر: الآية ٢١.
٣ رواية الشعر والشعراء "مرض" موضع "سور".

<<  <  ج: ص:  >  >>