للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن قد ترد مفردة مع ألفاظٍ أخر تندرج معهنَّ فيكسوها ذلك حسنًا ليس لها، وذلك كقولي في جملة أبيات أصف بها الخمر, وما يجري معها من آلاتها:

ثلاثةٌ تعطي الفرح ... كأسٌ وكوبٌ وقدح

ما ذبح الذوق بها ... إلّا وللهمِّ ذبح

فلمَّا وردت لفظة "الكوب" مع الكأس والقدح على هذا الأسلوب حسَّنَها، وكأنَّه جلاها في غير لباسها الذي كان لها؛ إذ جاءت بمفردها.

وكذلك وردت لفظة "رجا" بالقصر، "والرجا" الجانب، فإنَّها لم تستعمل موحَّدة, وإنما استعملت مجموعة، كقوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ١.

فلمَّا وردت هذه اللفظة مجموعة ألبسها الجمع ثوبًا من الحسن لم يكن لها في حال كونها موحدة.

وقد تستعمل موحَّدة بشرط الإضافة، كقولنا: "رجا البئر".

ولربما أخطأ بعض الناس في هذا الموضع, وقاس عليه ما ليس بمقيس، وذلك أنه وقف على ما ذكرته ههنا واقف، وكذلك قد وردت لفظة الصوف في القرآن الكريم, ولم ترد إلّا مجموعة، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} ٢.

وهذا بخلاف ما وردت عليه في شعر أبي تمام٣:

كانوا برودَ زمانهم فتصدَّعوا ... فكأنَّما لبس الزَّمان الصُّوفا٤

وهذا ليس كالذي أشرت إليه, فإن لفظة "الصوف" لفظة حسنة مفردة ومجموعة، وإنما أزرى بها في قول أبي تمام أنها جاءت مجازيَّة في نسبتها إلى الزمان.


١ سورة الحاقة: الآية ١٧.
٢ سورة النحل: الآية ٨٠.
٣ الديوان ٢٠٥ من قصيدة في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف، ويعرِّض بوالٍ ولي الثغر، ومطلعها:
أطلالهم سلبت دماها الهيفا ... واستبدلت وحشابهن عكوفا
٤ البرود: الثياب، تصدعوا: تشتتوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>