للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا النهج وردت لفظة "خبر" و"أخبار"، فإنَّ هذه اللفظة مجموعة أحسن منها مفردة، ولم ترد في القرآن إلّا مجموعة.

وفي ضدِّ ذلك ما ورد استعماله من الألفاظ مفردًا ولم يرد مجموعًا، كلفظة "الأرض", فإنها لم ترد في القرآن إلّا مفردة، فإذا ذكرت السماء مجموعة جيء بها مفردة معها في كل موضع من القرآن، ولما أريد أن يؤتى بها مجموعة قيل: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} ١.

ومما ورد من الألفاظ مفردًا فكان أحسن مِمَّا يرد مجموعًا لفظة "البقعة"، قال الله تعالى في قصة موسى -عليه السلام: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ٢ والأحسن استعمالها مفردة لا مجموعة، وإن استعملت مجموعة فالأولى أن تكون مضافة كقولنا: "بقاع الأرض"، أو ما جرى مجراها.

وكذلك لفظة "طيف"، في ذكر طيف الخيال، فإنَّها لم تستعمل إلّا مفردة، وقد استعملها الشعراء قديمًا وحديثًا, فلم يأتوا بها إلّا مفردة، لأنَّ جمعها جمع قبيح، فإذا قيل "طيوف" كان من أقبح الألفاظ وأشدَّها كراهة على السمع.

ويا لله للعجب من هذه اللفظة ومن أختها عدَّة ووزنًا، وهي لفظة "ضيف"، فإنها تستعمل مفردة ومجموعة، وكلاهما في الاستعمال حسن رائق، وهذا مما لا يعلم السر فيه، والذوق السليم هو الحاكم على الفرق بين هاتين اللفظتين وما يجري مجراهما.

وأما جمع المصادر فإنه لا يجيء حسنًا، والإفراد فيه هو الحسن، ومما جاء في المصادر مجموعًا قول عنترة:

فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحُقَّ له الفقود٣

قوله: "الفقود" جمع مصدر من قولنا: فَقَدَ، يَفْقِدُ، فقدًا، واستعمال هذه اللفظة غير سائغ ولا لذيذ، وإن كان جائزًا.


١ سورة الطلاق: الآية ١٢.
٢ سورة القصص: الآية ٣٠.
٣ شرح ديوان عنترة بن شداد ٤٩, من أبيات في جرية العمري، وقد رماه عنترة، فظنَّ أنه قتله، فلم يفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>