للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن في استعمال ما نستعمله من الألفاظ واقفون مع الحسن لا مع الجواز. وهذا كله يرجع إلى حاكم الذوق السليم، فإن صاحب هذه الصناعة يصرّف الألفاظ بضروب التصريف، فما عذب في فمه منها استعمله، وما لفَظَه فَمُه تركه.

ألا ترى أنه يقال: "الأُمَّة" -بالضم- عبارة عن الجمع الكثير من الناس، ويقال: "الإمَّة" -بالكسر، وهي النعمة، فإن "الأمة" بالضم لفظة حسنة, وبالكسر ليست بحسنة، واستعمالها قبيح.

ورأيت صاحب كتاب "الفصيح"١ قد ذكرها فيما اختاره من الألفاظ الفصيحة، ويا ليت شعري ما الذي رآه من فصاحتها حتى اختارها?! وكذلك قد اختار ألفاظًا أخر ليست بفصيحة، ولا لوم عليه؛ لأنَّ صدور مثل ذلك الكتاب عنه كثير!

وأسرار الفصاحة لا تؤخذ من علماء العربية, وإنما تؤخذ منهم مسألة نحوية أو تصريفية، أو نقل كلمة لغوية، وما جرى هذا المجرى.

وأما أسرار الفصاحة فلها قومٌ مخصوصون بها, وإذا شذَّ عن صاحب كتاب "الفصيح" ألفاظ معدودة ليست بفصيحة في جملة كثيرة ذكرها من الفصيح, فإن هذا منه كثير.

ومما يذكر في هذا الباب أنه يقال: "سهم صائب"، فإذا جَمَعَ الجمع الحسن الذي يعذُب في الفم قيل: سهام صوائب وصائبات وصُيَّب، فإذا جمع الجمع الذي يقبح قيل: "سهام صُيُبُ"، على وزن "كُتُب".

فقال أبو نواس٢:

ما أحلَّ الله ما صنعت ... عينه تلك العشيَّة بي

قتلت٣ إنسانُها كبدي ... بسهامٍ للرَّدى صُيُبِ


١ هو الإمام أحمد بن يحيى المعروف بثعلب.
٢ ديوانه ٤٠٧ من أبيات أولها:
يا بني حمالة الحطب ... حربي من ظبيكم حربي
٣ رواية الديوان "فتنت".

<<  <  ج: ص:  >  >>