للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع على "أعيان"، وهذا يرجع فيه إلى الاستحسان لا إلى جائز الوضع اللغوي.

وقد شذَّ هذا الموضع عن أبي الطيب المتنبي في قوله١:

والقوم في أعيانهم خرزٌ ... والخيل في أعيانها قبل٢

فجمع العين الناظرة على "أعيان"، وكان الذوق يأبى ذلك, ولا تجد له على اللسان حلاوة وإن كان جائزًا.

ولولا خوف الإطالة لأوردت من هذا النوع وأمثاله أشياء كثيرة, وكشفت عن رموز وأسرار تخفى على كثير من متعاطي هذا الفن، لكنَّ في الذي أشرت إليه مُنَبَّه لأهل الفطانة والذكاء أن يحملوه على أشباهه وأنظاره.

وأعجب من ذلك كلِّه أنك ترى وزنًا واحدًا من الألفاظ، فتارةً تجد مفرده حسنًا، وتارة تجد جمعه حسنًا، وتارة تجدهما جميعًا حسنين.

فالأول نحو: "حبرور" وهو فرخ الحبارى، فإن هذه اللفظة يحسن مفردها لا مجموعها؛ لأن جمعها على "حبارير"، وكذلك "طنبور" و"طنابير"، و"عرقوب" و"عراقيب".

وأما الثاني فنحو: "بهلول" و"بهاليل"٣، و"لهموم" و"لهاميم"٤، وهذا ضد الأول.

وأما الثالث فنحو: "جمهور" و"جماهير"، و"عرجون" و"عراجين".

فانظر إلى الوزن الواحد كيف يختلف في أحواله مفردًا ومجموعًا? وهذا من أعجب ما يجيء في هذا الباب.

وهكذا قد جاءت ألفاظ على وزن واحد ثلاثيَّة مسكَّنة الوسط, وجميعها حسن في الاستعمال، وإذا أردنا أن نثقِّل وسطها حَسُنَ منها شيء دون شيء.


١ ديوانه ٣/ ٣٠٧ من قصيدة في مدح عضد الدولة، ومطلعها:
أثلث فإنا أيها الظلل ... نبكي وترزم تحتنا الإبل
٢ الخزر: ضيق العين، والقبل: إقبال إحدى العينين على الأخرى، وذلك تفعله الخيل لعزة أنفسها.
٣ البهلول: الضحاك, والسيد الجامع لكل خير.
٤ اللهموم: الناقة الغزيرة، والجرح الواسع، وجهاز المرأة، والسحابة الغزيرة القطر، والعدد الكثيرة، والجيش العظيم، والكثير الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>