للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: "عن أن" في هذا البيت من الخفيف الحسن الذي لا بأس به.

القسم الثاني من المعاظلة اللفظية:

تختص بتكرير الحروف، وليس ذلك مما يتعلّق بتكرير الألفاظ، ولا بتكرير المعاني -مما يأتي ذكره في باب التكرير في المقالة الثانية- وإنما هو تكرير حرف واحد أو حرفين في كل لفظة من ألفاظ الكلام المنثور أو المنظوم، فيثقل حينئذ النطق به، فمن ذلك قول بعضهم:

وقبر حربٍ بمكانٍ قفر ... وليس قرب قبر حربٍ قبر١

فهذه القافات والراءات كأنها في تتابعها سلسلة، ولا خفاء بما في ذلك من الثقل، وكذا ورد قول الحريري في مقاماته:

وازوَّر من كان له زائرًا ... وعافَ عافي العُرف عرفانه٢

فقوله: "وعافَ عافي العرف عرفانه" من التكرير المشار إليه.

وكذلك ورد قوله أيضًا في رسالتيه اللتين صاغهما على حرف السين٣ والشين٤، فإنه أتى في إحداهما بالسين في كل لفظة من ألفاظها, وأتى في الأخرى بالشين في كل لفظة من ألفاظها، فجاءتا كأنهما رُقَى العقارب، أو خذروفة العزائم، وما أعلم كيف خفي ما فيهما من قبحٍ على مثل الحريري مع معرفته بالجيد والرديء من الكلام؟

ويُحْكَى عن بعض الوعَّاظ أنه قال في جملة كلام أورده: "جنى جنات وجنات الحبيب"، فصاح رجل من الحاضرين في المجلس, وماد وتغاشى، فقال له رجل كان إلى جانبه: ما الذي سمعته حتى حدث بك هذا? فقال: "سمعت جيمًا في جيم في جيم فصحت"!!.


١ ذكروا أنه من شعر الجن، وأنه لا يتهيأ لأحد أن ينشده ثلاث مرات فلا يتتعتع، وذكروا أن جنيًّا صاح على حرب بن أمية فمات في فلاة، ويسمَّى نوع هذا الجني هاتفًا.
٢ مقامات الحريري ٣٦٥ من المقامة التفليسية، رازور: مال وأعرض، وعاف: استقذر، والعافي: طالب العطاء.
٣ الرسالة السينية: مقامات الحرير ٦٠٣.
٤ الرسالة الشينية: مقامات الحريري ٦٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>