للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا من أقبح عيوب الألفاظ.

ومِمَّا جاء منه قول أبي الطيب المتنبي في قصيدته التي مطلعها:

أتُرَاها لكثرة العشَّاق١

كيف ترثي التي كلَّ جفنٍ ... راءها غير جفنها غَيْرَ راقي٢

وهذا وأمثاله إنما يعرض لقائله في نوبة الصَّرع التي تنوب في بعض الأيام!

ومن هذا القسم قول الشاعر المعروف بكشاجم٣ في قصيدته التي مطلعها:

داو خُمَارِي بكأس خَمْرٍ

والزَّهر والقطر في رباها ... ما بين نظمٍ وبين نثر

حدائقٌ كَفُّ كلِّ ريحٍ ... حلَّ بها خيط كلِّ قطر

وهذا الباب يحتاج الناطق به إلى بَرْكار يضعه في شدقه حتى يديره له.

وعلى هذا الأسلوب ورد قول بعضهم, وهو البيت المشهور الذي يتذاكره الناس:

مَلِلْتُ مِطَالَ مولودٍ مُفدَّى ... مليحٍ مانعٍ منِّي مرادي

وهذه الميمات كأنَّها عقد متصلة بعضها ببعض.

وكان بعض أهل الأدب من أهل مصرنا هذا يستعمل هذا القسم في ألفاظه كثيرًا في كلامه نثرًا ونظمًا, وذلك لعدم معرفته بسلوك الطريق.

وأنا أذكر نبذة من ذلك، كقوله في وصف رجل سخيّ: "أنت المديح, كبدًا تريح، والمليح إن تجهم المليح بالتَّكليح، عند سائلٍ تلوح، بل يفوق إذ يروق مرأى لوح، يا مغبوق كأس الحمد يا مصبوح، ضاق عن نداك الّلوح, وببابك المفتوح تستريح, وتريح ذا التبريح، وترفِّه الطليح".


١ وعجز البيت:
تحسب الدمع خلقة في المآقي
وهي في مدح أبي العشائر الحسين بن علي بن حمدان.
٢ ديوان المتنبي ٢/ ٣٦٢, راءها: رآها، والمعنى: هذه المحبوبة لا ترحم باكيًا، وكيف ترحمه وهي ترى كل جفن من النظر إلّا جفنها غير راقٍ بالبكاء، يريد غير منقطع من البكاء، فهي لا ترحم أحدًا؛ لأنها تحسب الدمع في أجفان العشاق خلقة.
٣ كشاجم: هو محمود بن الحسين الكاتب الشاعر، أحد وصَّافي الطبيعة، وكان من خدَّام سيف الدولة، توفي سنة ٣٢٠هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>