للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: "نذرت أعود [أقتل] " من المعاظلة إليها.

وأمَّا ما يرد على نهج واحد من الصيغة الفعلية فكقول أبي الطيب المتنبي:

أقِل أنِل أقْطِع احمِلْ على سل أعد ... زِدْ هَشَّ بَشَّ تفضَّل ادنِ سُرَّ صِلِ١

فهذه الألفاظ جاءت على صيغة واحدة، وهي صيغة الأمر، كأنه قال: "افعل افعل ... ، هكذا إلى آخر البيت" وهذا تكرير للصيغة، وإن لم يكن تكريرًا للحروف، إلّا أنه أخوه ولا أقول ابن عمه.

وهذه الألفاظ متراكبة متداخلة, ولو عطفها بالواو كانت أقرب حالًا كما قال عبد السلام بن رغبان٢:

فَسَدَ الناس فاطلب الرزق بالسيـ ... ـف وإلّا فمُتْ شديد الهزال

أحلُ وامررْ وضرَّ وانفعْ ولِنْ واخـ ... ـشُنْ وأبْرِزْ ثم انتدب للمعالي

ألا ترى أنه لما عطف ههنا بالواو لم تتراكب الألفاظ كتراكبها في بيت أبي الطيب المتقدَّم ذكره؟

فإن قيل: إنك جعلت ما كان ورادًا على صيغة واحدة على سبيل التكرار معاظلةً، وقد ورد في القرآن الكريم، كقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} ٣ ولو كان معاظلة لما ورد في القرآن الكريم مثله؟

فالجواب عن ذلك أني أقول: هذه الآية ليست كالذي أنكرته، فإن هذا الموضع ينظر فيه إلى الكثير والقليل، فإذا كثر كان تعاظلًا لتراكبه وثقله على النطق، وقد


١ ديوان المتنبي ٣/ ٨٥ من قصيدة مطلعها:
أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل ... دعا فلبَّاه قبل الركب والإبل
وقد أمره بأربعة عشر أمرًا في بيت واحد "أقل" من الإقالة، يقال: أقلته من عثرته، و"أنل" من الإنالة، و"أقطع" من الإقطاع، و"احمل" من قولهم: حملته على فرس، وقوله "عل" من العلوِّ والرفعة، و"سل" من السلوّ، و"أعد" من الإعادة، و"زد" من الزيادة، و"هش" من قولهم: هنشت إلى كذا، وهو التهلُّل نحو الشيء، و"بشَّ" من البشاشة وهي الطلاقة، و"تفضَّل" من الإفضال، و"ادن" من الدنوّ، و"سرَّ" من السرور، و"سل" من الصلة، وهي العطية.
٢ هو المعروف بديك الجن الحمصي.
٣ سورة التوبة: الآية ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>