للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجملة الأمر أن مدار سبك الألفاظ على النوع والذي قبله دون غيرهما من تلك الأنواع المذكورة، لأنَّ هذين النوعين أصلَا سبك الألفاظ، وما عداهما فرع عليهما، وإذا لم يكن الناثر أو الناظم عارفًا بهما فإن مقاتله تبدو كثيرًا.

وحقيقة هذا النوع الذي هو "المنافرة" أن يذكر لفظ أو ألفاظ يكون غيرها مما هو في معناها أولى بالذكر.

وعلى هذا, فإن الفرق بينه وبين المعاظلة: أن المعاظلة هي التراكب والتداخل, إمَّا في الألفاظ أو في المعاني، على ما أشرت إليه، وهذا النوع لا تراكب فيه، وإنما هو إيراد ألفاظ غير لائقة بموضعها الذي ترد فيه.

وهو ينقسم قسمين:

أحدهما: يوجد في اللفظة الواحدة، والآخر: في الألفاظ المتعددة.

فأمَّا الذي يوجد في اللفظة الواحدة فإنه إذا أورد في الكلام أمكن تبديله بغيره مما هو في معناه, سواء كان ذلك نثرًا أو نظمًا.

وأما الذي يوجد في الألفاظ المتعددة فإنه لا يمكن تبديله بغيره من الشعر، بل يمكن ذلك في النثر خاصة لأنه يعسر في الشعر من أجل الوزن.

فمِمَّا جاء من القسم الأول قول أبي الطيب المتنبي:

فلا يبرم الأمر الذي هو حاللٌ ... ولا يحلل الأمر الذي هو يبرم١

فلفظة "حالل" نافرة عن موضعها، وكانت مندوحة عنها؛ لأنه لو استعمل عوضًا عنها لفظة "ناقض"، فقال:

فلا يبرم الأمر الذي هو ناقضٌ ... ولا ينقض الأمر الذي هو يبرم

لجاءت اللفظة قارَّةً في مكانها، غير قلقة ولا نافرة.

وبلغني عن أبي العلاء بن سليمان المعرِّي أنه كان يتعصَّب لأبي الطيب، حتى إنه


١ ديوان المتنبي ٤/ ٨٥ من قصيدة في مدح عمر بن سليمان الشرابي، ومطلعها:
نرى عظمًا باليين والصد أعظم ... ونتَّهم الواشين والدمع منهم
رواية الديوان: "ولا يبرم" موضع "فلا يبرم", و"مبرم" موضع "يبرم".

<<  <  ج: ص:  >  >>