للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما العلم: فإن الفاء في {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} هي الفاء العاطفة، فإنها واردة بعد {قُمْ فَأَنْذِرْ} وهي مثل قولك: "امش فأسرع"، و"قل فأبلغ", وليست الفاء التي في "شفيعك فاشكر" كهذه الفاء؛ لأن تلك زائدة لا موضع لها، ولو جاءت في السورة كما جاءت في قول دعبل -وحاش الله من ذلك- لابتدئ الكلام فقيل: {رَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، لكنها جاءت بعد {قُمْ فَأَنْذِرْ} ، حسن ذكرها فيما يأتي بعدها {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} .

وأما الذوق: فإنه ينبو عن الفاء الواردة في قول دعبل ويستثقلها، ولا يوجد ذلك في الفاء الواردة في السورة.

فلمَّا سمع ما ذكرته أذعَنَ بالتسليم.

ومثل هذه الدقائق التي ترد في الكلام نظمًا كان أو نثرًا لا يتفَطَّن لها إلّا الراسخ في علم الفصاحة والبلاغة!

ومن هذا القسم وصل همزة القطع، وهو محسوب من جائزات الشعر التي لا تجوز في الكلام المنثور، وكذلك قطع همزة الوصل، لكن وصل همزة القطع أقبح، لأنه أثقل على اللسان.

فمِمَّا ورد من ذلك قول أبي تمام١:

قراني اللها والوُدّ كأنَّمَا ... أفاد الغنى من نائلي وفوائدي٢

فأصبح يلقاني الزمان من اجله ... بإعظام مولودٍ ورأفة والد٣

فقوله: "من اجله" وصل الهمزة القطع.


١ ديوان أبي تمام ١١٧ من قصيدة في مدح محمد بن الهيثم، ومطلعها:
قفوا جددوا من عهدكم بالمعاهد ... وإن هي لم تسمع لنشدان ناشد
٢ قراني: أضافني، واللها: العطايا
٣ رواية الديوان "لأجله" وعليها لا يكون في البيت موضع شاهد.
٤ ديوان المتنبي ٢/ ١١١ من قصيدة مطلعها:
طوال قنًا تطاعنها قصار ... وقطرك في ندى ووغى بحار
وقال أبو الفتح بن جني: قلت لأبي الطيب عند قراءاتي عليه؛ كسر اللام من "الانتظار" جيد لكونها وسكون النون، وقال علي بن حمزة: سألت أبا الطيب عن فتح اللام، فقال:
اجتمع ساكنان، فحركت اللام بحركة ما قبلها، وهي اللام من "لا"، ومعنى البيت: إنما ينزله المفاوز طلب أعدائه، لا انتظار من يلحقه ويخافه، وذلك أن الخائف ينزل المفاوز خوفًَا ممن يلحقه، وهذا ينزلها طلبًا لمن يهرب منه إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>