للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأرض ديار بكر١ على مدينة "ميا فارقين"٢، فعصفت الريح بخيمته، فتطير الناس لذلك، وقالوا فيه أقوالًا، فمدحه أبو الطيب بقصيدة يعتذر فيها عن سقوط الخيمة، أولها:

أينفع في الخيمة العذل٣

فمنه ما أحسن فيه كل الإحسان، وهو قوله:

تضيق بشخصك أرجاؤها ... ويركض في الواحد الجحفل٤

وتقصر ما كنت في جوفها ... وتركز فيها القنا الذبل

وكيف تقوم على راحةٍ ... كأن البحار لها أنمل

فليت وقارك فرقته ... وحملت أرضك ما تحمل

فصار الأنام به سادةً ... وسدتهم بالذي يفضل

رأت لون نورك في لونها ... كلون الغزالة لا يغسل٥

وأن لها شرفًا باذخًا ... وأن الخيام بها تخجل


١ ديار بكر بلاد كثيرة واسعة تنسب إلى بكر بن وائل، وحدها ما عرب من دجلة من بلاد الجبل المطل على نصيبين إلى دجلة، ومنه حصن كيفا وأمد وميا فارقين.
٢ ميا فارقين أشهر مدينة بديار بكر، قيل ما بني فيها بالحجارة فهو بناء أنو شروان، وما بني بالآجر فهو بناء أبرويز، والذي يعتمد عليه أنها من بناء الروم؛ لأنها في بلادهم.
٣ ديوان المتنبي ٣/ ٦٦، وعجز المطلع:
ويشمل من دهرها يشمل
ومعنى البيت: أينفع في سقوطها عذل العذل، فحذف المضاف، وروى الخوارزمي: "أيقدح" وهي رواية جيدة، فلا يقدر فيها محذوف، يقول: لا ينفع في هذه الخيمة أن تعذل على سقوطها، فعذرها بين، والموجب لفعلها ظاهر، وكيف لها أن تشمل من يشمل الدهر بسلطانه، ويجبر عليه بإحسانه.
٤ الأرجاء النواحي جمع رجا، والتثنية رجوان، والجحفل الجيش العظيم، يقول: كل قطر منها يسع جحفلا، ولكنها تضيق جميعا بشخصك، إجلالا لك. وإعظاما لك أن تعلوك.
٥ أصل الغزالة ارتفاع الشمس، وهو وقت سميت الشمس به، يقول: لون الممدوح ونوره لا يلحقه تغيير، كلون الشمس الذي لا يزول عنها بالغسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>