وهذا معنى غريب وربما يكون قد سبقت إليه، إلا أنه لم يبلغني بل ابتدعته ابتداعًا.
ومن ذلك ما ذكرته في فصل من كتاب يتضمن منازلة بلد، فذكرت القتال بالمنجنيق ١، وهو:
"فنزلنا بمرأى منه ومسمع، واستدرنا به استدارة الخاتم بالإصبع، ونصبت المنجنيقات، فأنشأت سحبًا صعبة القياد، مختصة بالربا دون الوهاد، فلم تزل تقذف السور بوبلٍ من جلمودها، وتفجؤها برعودها قبل بروقها، وبروق السحب قبل رعودها، حتى غادرت الحزن منه سهلًا، والعامر بلقعًا مخلى".
وفي هذا معنيان غريبان.
أحدهما: أن هذه السحب تخص الربا دون الوهاد.
والآخر: أن رعودها قبل بروقها، وكل ذلك يتفطن له بالمشاهدة.
ومن ذلك ما ذكرته في فصل من كتاب، فقلت:
"إذا تخلق المرء بخلق البأس، والندى لم يخف عرضه دنسا، كما أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل نجسًا".
وهذا المعنى مبتدع لي، وهو مستخرج من الحديث النبوي في قوله -صلى الله عليه وسلم: $"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا".
١ هو اسم أعجمي، فإن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية، ويجمع على مجانيق ومناجيق، قال ابن قتيبة في كتابه "المعارف"، وأبو هلال العسكري في "الأوائل": وهو آلة من خشب لها دفتان قائمتان بينهما سهم طويل رأسه ثقيل، وذنبه خفيف، وفيه تجعل كفة المنجنيق التي يجعل فيها الحجر، ويجذب حتى ترفع أسافله على أعاليه، ثم يرسل فيرتفع ذنبه الذي فيه الكفة، فيخرج الحجر منه، فما أصاب شيئا إلا أهلكه.