"مفازة لا توطأ بأجفان ساهر، ولا تقتل باقتحام خابر، ولولا مسير الهلال من فوقها لما عرفت تمثال حافر".
ومن ذلك ما ذكرته في كتاب أصف فيه نزول العدو على حصار بلد من بلاد المكتوب عنه:
وكان ذلك في زمن الشتاء، فسقط على العدو ثلج كثير صار به محصورًا، فقلت:"وقد عاجله قتال البروق قبل البوارق، وأحاط به الثلج فصار خنادق تحول بينه وبين الخنادق، والشتاء قد لقي عسكره من البرد بعسكره، والسماء قد قابلته بأغبر وجهها لا بأخضره، والأرض كأنها قرصة النقي، وعسى أن تكون أرض محشره".
والمعنى المخترع من هذا الكلام قولي:"والأرض كأنها قرصة النقي وعسى أن تكون أرض محشره"، وهو مستخرج من الحديث النبوي في قوله -صلى الله عليه وسلم: $"إنكم تحشرون على بيضاء كقرصة النقي"، يريد الخبزة البيضاء ولما كان الثلج على الأرض مماثلًا لذلك، ومشابهًا له استنبطت أنا له هذا المعنى المخترع، فجاء كما تراه، وهو من المعاني التي يدل عليها شاهد الحال.
وأحسن من هذا كله ما كتبته في فصل من كتاب إلى ديوان الخلافة ببغداد، فقلت:
"ودولته هي الضاحكة، وإن كان نسبها إلى العباس، وهي خير دولة أخرجت للزمن، كما أن رعاياها خير أمة أخرجت للناس، ولم يجعل شعارها من لون الشباب إلا تفاؤلًا بأنها لا تهرم، وأنها لا تزال محبوة من أبكار السعادة بالحب الذي لا يسلى