للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأناسي لا على صورة الأنعام، فإن من القول الغانية التي هي أحسن من الغانية، ومنه البهيمة التي لا تشبه إلا بالسانية١.

فمما جاء في هذا الباب قول أبي نواس:

شرابك في السراب إذا عطشنا ... وخبزك عند منقطع التراب

وما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مرزئة الذباب٢

فالبيت الثاني من هذين البيتين هو المشار إليه بأنه معنى مبتدع.

ويحكى عن الرشيد هارون -رحمه الله- أنه قال: لم يهج بادٍ ولا حاضر بمثل هذا الهجاء!

ومن هذا الباب قول مسلم بن الوليد٣:

تنال بالرفق ما تعيا الرجال به ... كالموت مستعجلًا يأتي على مهل

ومن هذا الباب قول علي بن جبلة:

تكفل ساكن الدنيا حميدٌ ... فقد أضحت له الدنيا عيالا

كأن أباه آدم كان أوصى ... إليه أن يعولهم فعالا

وهذا معنى دندن٤ حوله الشعراء، وفاز علي بن جبلة بالإفصاح عنه.


١ من معاني السانية الناقة يسقى عليها، وسنت تسنو سقت الأرض؛ وسنت النار علا ضوؤها.
٢ حكى الجاحظ أن الرشيد قال: لا أعرف لمحدث أهجى من قول أبي نواس:
وما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مرزئة الذناب
لرابك في السحاب إذا عطشنا ... وخبزك عند منقطع التراب
وكيف تنال مكرمة ومجدا ... وخبزك محرز عند الغياب
وإبطك قابض الأرواح يرمي ... بسهم الموت من تحت الثياب
وانظر ديوان أبي نواس ١٤.
٣ من قصيدة له يمدح فيها يزيد بي مزيد الشيباني، ومطلعها:
أجررت حبل خليع في الهوى غزل ... وشمرت همم العذال في العذل
٤ أصل الدندنة صوت الذباب والزنابير، ودندن صوت وطن، ودندن فلان نغم ولا يفهم منه كلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>