مكانها لما حللت للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع تحريم الصدقة، ولها صفات غير هذه كريمة الأخطار حسنة لدى الأسماع والأبصار، ومن أحسنها أنها تستجد ودا، وتجعل قربًا ما كان بعدًا، وتقول لنا الإجنة:"يا نار كوني بردًا، ولهذا"، قيل: تهادوا تحابوا، ولا شك أنها وصلة بين المودات، فإذا تواصل الناس تقاربوا".
وقد أرسل الخادم منها شيئًا إذا كتمه ذاع، وإذا خزنه ضاع، وقد شبه به الجليس الصالح بعدد أسباب الانتفاع، ومما زاد مزية على مزيته أنه وشيم المولى توأمان، غير أن شيمته تنتمي إلى كرم محتدها، وهو ينتمي إلى سرر الغزلان، فإذا ورد على مجلسه قيل: هذا عطر ورد على جونة١ عطار، وعرف له حق المشاركة، فإن أدنى الشرك في الشيم جوار، وقد نطق الخبر النبوي بأنه أحد الثلاثة التي لا ترد على من أهداها، وإذا نظر إلى محصول بقائها وفائدتها، وجد أطولها عمرًا وأجداها، وهذا يحكم على المولى بقبول ما استرسل الخادم في إرساله، وإذا سأل غيره في قبول هديته كفاه نص الخبر مؤنة سؤاله والسلام".
وهذه الرقعة أحسن من التي قبلها.
فمما اشتملت عليه من المعاني قولي:"وما من قلب إلا وصورتها تجلى عليه في سرقة، ولولا شرف مكانها لما حللت للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع تحريم الصدقة".
وهذان المعنيان مستخرجان من خبرين نبويين:
أحدهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"جاءني جبريل عليه السلام ومعه سرقة من حرير -يعني حريرة بيضاء- وفيها صورة عائشة -رضي الله عنها- وقال: "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".
والخبر الآخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حرمت علي الصدقة، وأحلت لي الهدية".
ومما اشتملت عليه أيضًا قولي: "وقد أرسل الخادم منها شيئًا إذا كتمه ذاع، وإذا
١ الجونة سليلة مستديرة مغشاة أدما تكون مع العطارين.