للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فخذها يا مولاي واكشف عن نقابها، وأمط عنها جلبابها، وقد كانت منك حرة، وهي الآن في حيز المملكة، ومن السنة في مثلها أن تؤخذ بالناصية، ويدعى بالبركة، والسائر بها فلان وهو في الجهل بها حامل أسفار، وناقل لها من دار إلى دار، ولربما نطق لسان حالها الذي هو أفصح من نطق اللسان، وأذكرت بحاجة مرسلها، وحاش فطانة الكريم من النسيان، وليس المطلوب إلا فضيلة من الجاه تسفر بين السائل والمسئول، وتنقل البعيد إلى درجة القريب، والممنوع إلى درجة المبذول، فإذا فعل المولى ذلك كان له منة السفارة ومنة الإنعام، وإن سمع بأن سعيًا واحدًا فاز بشكرين اثنين، ففي مثل هذا المقام ومن الناس من يقول: ليس على جانب السلطان ثقل في صنعه، وهل ههنا إلا كلمات تقال، والكلام ماعونٌ لا رخصة في منعه، ولم يدر أن ملاطفة الخطاب ضرب من الاحتيال، وأن نقل الخطوات فيه أثقل من نقل الجبال، وأن صاحب الحاجة يحظى بحلاوة النجاح، والحاجب يلقى مرارة السؤال".

وهذا يقوله الخادم إيجابًا لإحسان المولى الذي هو إحسان شامل، ولا يعلمه إلا عالم بفضله ولا يجهله إلا جاهل، والله تعالى يجعل الحاجات مغدوقة ببابه، حتى لا تنفك في الدنيا من إمداد شكره، وفي الآخرة من إمداد ثوابه، والسلام".

فتأمل أيها الناظر في كتابي هذا إلى ما اشتملت عليه هذه الرقعة من المعاني حتى تعلم كيف تضع يدك فيما تكتبه!

ومن ذلك رقعة أخرى كتبتها في هذا المعنى المتقدم ذكره، وأرسلت معها هدية من المسك، وهي:

"الهدية رسول يخاطب عن مرسله بغير لسان، ويدخل على القلوب من غير استئذان، وقد قيل: أخت السحر في ملاطفة قصدها، غير أنها لا تحتاج إلى نفثها ولا إلى عقدها١، وما من قلب إلا وصورتها تجلي عليه في سرقة٢، ولولا شرف


١ إشارة إلى قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [سورة الفلق: الآية: ٤] ، والنفاثات النساء، أو النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط، وينفثن عليها ويرقين، والنفث النفخ مع ريق.
٢ السرقة واحدة السرق بفتحتين شقق الحرير الأبيض، أو الحرير عامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>