للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيجابها، فهي مستمرة على تجدد الأيام، والمستحقون لها قسمٌ واحد، ولا يقال: إنهم ثمانية أقسام، وهؤلاء هم المخصوصون بفك الرقاب، ورقبة العشق أشد أسرًا من رقبة تتحرر بالكتاب، فأخرج يا مولاي من هذا الحق الواجب، وإلا فتأت لطالب منى ومطالب، ولا تقل هذا غريم أكثر عد الليالي في مطله، وأعده والمواعيد زاد لمثله، فهذه سلعة قد عاملته بها مرة ساخرًا! ومرة ساحرًا، ومن الأقوال السائرة أن الغر تجعله التجربة ماهرًا، ولعمري إن ممارسة الحب تجدد لصاحبه علمًا، وتبصره وإن كان كما يقال: أعمى، وقد كذب القائل:

عرضن للذي تحب بحبٍ ... ثم دعه يروضه إبليس

فإن كانت الرياضة كما قيل: لإبليس فما أراه صنعًا في الذي صنع، وأراك استعصيت عليه استعصاء القارح١، وأنت جذع٢، ولا شك أنك تهدم ما يشيده من البناء، أو أنك مستثنىً في جملة من دخل في حكم الاستثناء، وأنا الآن له عائب، وعليه عاتب فأين نفثاته التي هي أخدع الحبائل؟، وأين قوله: لآتينهم عن الأيمان والشمائل؟، وأين جنوده المسترقة ما في السماء، التي تجري من بني آدم مجرى الدماء؟، وكل هذا قد بطل عندي خبره، كما بطل عندي أثره، فإن أدركته النخوة بأني استهزئ بتصديق أفعاله، فليحلل معقول حاجتي هذه، حتى أعلم أنه قادر على حل عقاله، وإلا فليخف رأسه، وليمح وسواسه، وإن كان له عرش على البحر، فليقوض من عرشه، وليعلم أن السحر ليس في عقده ونفثه، ولكنه في الأصفر ونقشه.

"وها أنا قد بعثت منه ما يجعل الحزم محلولًا، والود مبذولًا وما أقول: إلا أني بعثت معشوقًا إلى معشوق، وكلاهما محله القلب، بل القلب من حبهما مخلوق، وما أكرمه وهو وسيلة إلى مثله، وحسنه من حسنه، وإن لم يكن شكله من شكله، وما وصفه


١ القارح المسن، وقرح الحافر انتهت أسنانه، وإنما ينتهي في خمس سنين؛ لأنه في السن الأولى حولى، ثم جذع، ثم ثنى، ثم رباع، ثم قارح، والمراد هنا الكبير صاحب التجربة.
٢ الجذع الشاب الحدث.

<<  <  ج: ص:  >  >>