واصف إلا كان ما رآه منه فوق ما رواه، ومن أغرب أوصافه، وأحسنها أنه لم ير ذو وجهين وجيهًا سواه، لا جرم أنه إذا سفر في أمر تلطف في فتح أبوابه، وتناول وعره فبدله بسهله، وبعده فبدله باقترابه، ولو بعثت غيره لخفت ألا يكون في سفارته صادقًا، أو أنه كان يمضي سفيرًا ويعود عاشقًا، فليس على الحسن أمانة، وفي مثاله تعذر الخيانة، ولا لوم على العقول إذا نسيت هناك عزيمة رشدها، ورأت ما لا يحتمله كاهل جهدها، ومن الذي يقوى درعه على تلك السهام، أو يروم النجاة منها وقد حيل بينه، وبين المرام وهذا الذي منعني أن أرسل إلا كيسًا وكتابًا، فأحدهما يكون في السفارة والآخر على السر حجابًا، والسلام إن شاء الله تعالى!
وفي هذه الرقعة من المعاني الغريبة ما أذكره:
فالأول: ما ذكرته في قسم الصدقات، وفك الرقاب.
والثاني: ما ذكرته في وصف الدينار، وهو أنه وجيه ذو وجهين، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: $"ذو الوجهين لا يكون وجيهًا".
وهذا معنى لم يسبقني أحد إليه.
وقد وصف الحريري الدينار في مقامة من مقاماته١، ولم يظفر بهذا المعنى، ولا جاء من الأوصاف التي ذكرها بمثله.
والثالث أني بعثت معشوقًا إلى معشوق!
"كتاب في التعزية بوفاة زوجة بعض الملوك وولدها":
ومن ذلك ما كتبته، وكان توفيت زوجة بعض الملوك، وتوفي معها ولد لها، وهو طفل صغير، وكان بينهما يومان، وتلك المرأة بنت ملك من الملوك أيضًا، فكتب إليه
١ يشير إلى المقامة الثالثة، وهي "المقامة الدينارية"، مقامات الحريري ٢٥، وهي تضمن مدح الدينار وذمه.