للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا الباب ما أوردته في جملة رسالة طردية في وصف قسي البندق وحامليها: وهو:

"فإذا تناولوها في أيديهم قيل: أهلةٌ طالعةٌ من أكف أقمار، وإذا مثل غناؤها وغناؤهم قيل: منايا مسوقة بأيدي أقدار، وتلك قسي وضعت للعب لا للنضال، ولردى الأطيار لا لردى الرجال".

"وإذا نعتها ناعت قال: إنها جمعت بين وصفي اللين والصلابة، وصنعت من نوعين غريبين فحازت معنى الغرابة، فهي مركبة من حيوان ونبات، مؤلفة منهما على بعد الشتات، فهذا من سكان البحر وسواحله، وهذا من سكان البر ومجاهله".

"ومن صفاتها أنها لا تتمكن من البطش إلا حين تشد، ولا تنطلق في شأنها إلا حين تعطف وترد، ولها نثار أحكم تصويرها، وصحح تدويرها، فهي في لونها صندلية١ الإرهاب، وكأنما صيغت لقوتها من حجر لا من تراب، فإذا قذفتها إلى الأطيار قيل: ويصعد من الأرض من جبال فيها من برد، ولا يرى حينئذ إلا قتيل، ولكن بالمثقل الذي لا يجب في مثله قود٢، فهي كافلة من تلك الأطيار بقبض نفوسها، منزلة لها من جو السماء على أم رءوسها".

هذا الفصل يشتمل على معان غريبة:

منها قولي: "إنها لا تتمكن من البطش إلا حين تشتد، ولا تنطلق إلا حين تعطف وترد".

ومنها قولي: "ويصعد من الأرض من جبال فيها من برد".

وكل هذا من المعاني التي تبتدع بالنظر إلى المقصد المكتوب فيه، فإن الكاتب إذا فكر فيما لديه وتأمله، وكان قادرًا على استخراج المعنى، والمناسبة بينه وبين مقصده جاء


١ منسوبة إلى الصندل، خشب أجود الأحمر أو الأبيض.
٢ القود بفتحتين القصاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>