وإنما فعلنا ذلك؛ لأن تسمية ما يحسن إظهار أداة التشبيه فيه بـ"التشبيه" أليق، وتسمية ما لا يحسن إظهار أداة التشبيه فيه بـ"الاستعارة" أليق، فإذا قلنا:"زيدٌ أسد" حسن إظهار أداة التشبيه فيه، بأن نقول:"زيد كالأسد"، وإذا قلنا كما قال الشاعر:
فرعاء إن نهضت لحاجتها ... عجل القضيب وأبطأ الدعص
لا يحسن إظهار أداة التشبيه فيه، على ما تقدم من ذكر ذلك أولًا.
فإن قيل: إذا أجزت إضمار أداة التشبيه، وقدرت إظهارها في قولك:"زيد أسد" أي كالأسد، فنحن نضمر أيضًا المستعار له ونقدر إظهاره، فإنه لما قال الشاعر:"عجل القضيب وأبطأ الدعص" أضمر المستعار له، وهو القد والردف، وإذا أظهر قيل:"عجل قد كالقضيب، وأبطأ ردفٌ كالدعص"، ولا فرق بين الإضمارين، فكما يسعك إضمار أداة التشبيه في قولك:"زيد أسد"، فكذلك يسعنا نحن إضمار المستعار له في قول الشاعر!
فالجواب عن ذلك أني أقول: نحن في هذا المقام واقفون مع الاستحسان لا مع الجواز، ولو تأملت ما أوردته في أول كلامي بالعين الصحيحة لما أوردت علي هذا الاعتراض ههنا، فإني قلت: التشبيه المضمر الأداة يحسن إظهار أداء التشبيه فيه، والاستعارة لا يحسن إظهار أداة التشبيه فيها، ولو قلت: يجوز أو لا يجوز لورد علي هذا الاعتراض الذي ذكرته، وقد علم وتحقق أن من الواجب في حكم الفصاحة والبلاغة ألا يظهر المستعار له، وإذا ظهر ذهب ما على الكلام من الحسن والرونق.
ألا ترى أنا إذا أوردنا هذا البيت الذي هو١:
فأمطرت لؤلؤًا من نرجسٍ وسقت ... وردًا وعضت على العناب بالبرد
جد عليه من الحسن والرونق ما لا خفاء به، وهو من باب الاستعارة.
فإذا أظهرنا المستعار له صرنا إلى كلام غث، وذاك أنا نقول: "فأمطرت دمعًا