وهذا قد ذكر فيه المنقول إليه دون المنقول؛ لأن تقديره عجل قد كالقضيب، وأبطأ ردفٌ كالدعص، وبين إيراده على هذا التقدير، وبين إيراده على هيئته في البيت بونٌ بعيد في الحسن والملاحة.
والفرق إذًا أن التشبيه المضمر الأداة بحسن إظهار أداة التشبيه فيه، والاستعارة لا يحسن ذلك فيها.
وعلى هذا فإن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له الذي هو المنقول إليه، ويكتفى بذكر المستعار الذي هو المنقول.
فإن قيل: لا نسلم أن الفرق بين التشبيه، وبين الاستعارة ما ذهبت إليه، بل الفرق بينهما أن التشبيه إنما يكون بأداته كالكاف، وكأن وما جرى مجراهما، فما لم يظهر فيه أداة التشبيه لا يكون تشبيهًا، وإنما يكون استعارة فإذا قلنا:"زيد أسد" كان ذلك "استعارة"، وإذا قلنا: زيد كالأسد كان ذلك "تشبيهًا".
قلت في الجواب عن ذلك: إذا لم نجعل قولنا: "زيد أسد" تشبيهًا مضمر الأداء لاستحال المعنى؛ لأن زيدًا ليس أسدًا، وإنما هو كالأسد في شجاعته، فأداة التشبيه تقدر ههنا ضرورة كي لا يستحيل المعنى.
فإن قيل: وكذلك أيضًا إذا لم تقدر أداة التشبيه في الاستعارة استحال المعنى؛ لأنا إذا قلنا:"عجل القضيب، وأبطأ الدعص"، فما لم نقدر فيه أداة التشبيه، وإلا استحال المعنى.
قلت في الجواب عن ذلك: تقديره أداة التشبيه لا بد منه في الموضعين، لكن يحسن إظهارها في التشبيه، دون الاستعارة.
وجملة الأمر أنا نرى أداة التشبيه بحسن إظهارها في موضع دون موضع، فعلمنا أن الموضع الذي يحسن إظهارها فيه غير الموضع الذي لا يحسن إظهارها فيه، فسمينا المواضع الذي يحسن إظهارها فيه "تشبيهًا مضمر الأداء"، والذي لا يحسن إظهارها فيه "استعارة".