للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتشبيه تشبيهان: تشبيه مظهر الأداة، كقولنا: زيد كالأسد، وتشبيه مضمر الأداة، كقولنا: زيد أسد.

وهذا التشبيه مضمر الأداة وقد خلطه قوم بالاستعارة١، ولم يفرقوا بينهما، وذلك خطأ محض.

وسأوضح وجه الخطأ فيه، وأحقق القول في الفرق بينهما تحقيقًا جليًا، فأقول: أما التشبيه المظهر الأداة فلا حاجة بنا إلى ذكره ههنا؛ لأنه معلوم لا خلاف فيه، لكن نذكر "التشبيه المضمر الأداة" الذي وقع فيه الخلاف، فنقول:

إذا ذكر المنقول والمنقول إليه على أن تشبيه مضمر الأداة قيل فيه: زيد أسد، أي كالأسد، فأداة التشبيه فيه مضمرة، وإذا أظهرت حسن ظهورها، ولم تقدح في الكلام الذي أظهرت فيه، ولا تزيل عنه فصاحة ولا بلاغة.

وهذا بخلاف ما إذا ذكر المنقول إليه دون المنقول، فإنه لا يحسن فيه ظهور أداة التشبيه، ومتى أظهرت أزالت عن ذلك الكلام ما كان متصفًا به من جنس فصاحة وبلاغة، وهذا هو "الاستعارة".

ولنضرب لك مثالًا نوضحه، فنقول:

قد ورد هذا البيت لبعض الشعراء، وهو:

فرعاء إن نهضت لحاجتها ... عجل القضيب وأبطأ الدعص٢


١ سبق القاضي الجرجاني صاحب الوساطة ابن الأثير إلى التمييز بينهما، فقد ذكر أنه قد ورد ما يظنه الناس استعارة وهو تشبيه أو مثل، وأن بعض أهل الأدب ذكر أنواعا من الاستعارة عد فيها قول أبي نواس:
الحب ظهر أنت راكبه ... فإذا صرفت عنانه انصرفا
وليس هذا وما أشبهه استعارة، وإنما معنى البيت أن الحب مثل ظهر، أو الحب كظهر تدبره كيف شئت إذا ملكت عنانه، فهو إما ضرب مثل، أو تشبيه شيء بشيء وإنما الاستعارة ما أكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصل، ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها تقريب الشبه، ومناسبه المستعار له للمستعار منه، وامتزاج اللفظ بالمعنى، حتى لا يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر، وانظر الوساطة بين المتنبي وخصومه ٤٠.
٢ الفرعاء التامة الشعر، والدعص قطعة من الرمل مستديرة أو الكثيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>