للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استعارة أحدهما من الآخر شيئًا، وإذا لم يكن بينهما سبب معرفة بوجه من الوجوه، فلا يستعير أحدهما من الآخر شيئًا؛ إذ لا يعرفه حتى يستعير منه، وهذا الحكم جار في استعارة الألفاظ بعضها من بعض، فالمشاركة بين اللفظين في نقل المعنى من أحدهما إلى الآخر كالمعرفة بين الشخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما الآخر.

واعلم أنه قد ورد من الكلام ما يجوز حمله على الاستعارة، وعلى التشبيه المضمر الأداة معًا، باختلاف القرينة، وذاك أن يرد الكلام محمولًا على ضمير من تقدم ذكره، فينتقل عن ذلك إلى غيره، ويرتجل ارتجالًا.

فمما جاء منه قول البحتري١:

إذا سفرت أضاءت شمس دجنٍ ... ومالت في التعطف غصن بان٢

فلما قال: "أضاءت شمس دجن" -بنصب الشمس- كان ذلك محمولًا على الضمير في قوله: "أضاءت" كأنه قال: أضاءت هي، وهذا تشبيه؛ لأن المشبه مذكور، وهو الضمير في "أضاءت" الذي نابت عنه التاء، ويجوز حمله على الاستعارة، بأن يقال: "أضاءت شمس دجن" برفع الشمس، ولا يعود الضمير حينئذٍ إلى من تقدم ذكره.

وإنما يكون الكلام مرتجلًا ويكون البيت:

إذا سفرت أضاءت شمس دجنٍ ... ومال من التعطف غصن بان

وهذا الموضع فيه دقة غموض، وحرف التشبيه يحسن في الأول دون الثاني.


١ ديوان البحتري ١/ ١٣٧ من قصيدة يمدح فيها أحمد، وإبراهيم بني المدبر ومطلعها:
عناني من صدودك ما عناني ... وعاودني هواك كما بداني
٢ رواية الديوان:
إذا انصرفت أضاءت شمس دجن ... ومال من التعطف غصن بان

<<  <  ج: ص:  >  >>