وأما التشبيه، فإنه شبه الرحمة -وإن لم يصح دخولها- بما يصح دخوله.
وأما التوكيد: فهو أنه أخبر عما لا يدرك بالحاسة بما يدرك بالحاسة؛ تعاليًا بالمخبر عنه، وتفخيمًا له إذا صير بمنزلة ما يشاهد ويعاين.
هذا مجموع قول أبي الفتح -رحمه الله- من غير زيادة ولا نقص.
والنظر يتطرق إليه من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه جعل وجود هذه المعاني الثلاثة سببًا لوجود المجاز، بل وجود واحد منها سببًا لوجوده ألا ترى أنه إذا وجد التشبيه وحده كان ذلك مجازًا، وإذا وجد الاتساع وحده كان ذلك مجازًا، ثم إن كان وجود هذه المعاني الثلاثة سببًا لوجود المجاز، كان عدم واحد منها سببًا لعدمه.
ألا ترى أنا إذا قلنا: لا يوجد الإنسان إلا بأن يكون حيوانًا ناطقًا؛ فالحيوانية والنطق سبب لوجود الإنسان، وإذا عدم واحد منهما بطل أن يكون إنسانًا، وكذلك كل صفات تكون متقدمة لوجود الشيء؛ فإن وجودها بوجوده، وعدم واحد منها يوجب عدمه؟
وأما الوجه الثاني: فإنه ذكر التوكيد والتشبيه، وكلاهما شيء واحد على الوجه الذي ذكره؛ لأنه لما شبهت الرحمة، وهي معنى لا يدرك بالبصر، بمكان يدخل، وهو صورة تدرك بالبصر، دخل تحته التوكيد الذي هو إخبار عما لا يدرك بالحاسة بما قد يدرك بالحاسة.
على أن التوكيد ههنا، على وجه ما أورده في تمثيله، لا أعلم ما الذي أراد به؛ لأنه لا يؤتى به في اللغة العربية إلا لمعنيين:
أحدهما: أنه يرد أبدًا فيما استقري بألفاظ محصورة نحو: نفسه، وعينه وكله، وما أضيف إليها مما استقري، وهو مذكور في كتب النحاة، وقد كفيت مؤنته.
الآخر: أنه يريد على وجه التكرير، نحو: قام زيد قام زيد كرر اللفظ في ذلك تحقيقًا للمعنى المقصود: أي توكيدًا.