للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي ذكره أبو الفتح -رحمه الله تعالى- لا يدل على أن المراد به أحد هذين المعنيين المشار إليهما، ولا شك أنه أراد به المبالغة، والمغالاة في إبراز المعنى الموهوم إلى الصورة المشاهدة، فعبر عن ذلك بالتوكيد، ولا مشاحة له في تعبيره، وإذا أراد به ذلك فهو والتشبيه سواء على ما ذكره، ولا حاجة إلى ذكر توكيد مع ذكر التشبيه.

وأما الوجه الثالث: فإنه قال: "أما الاتساع فهو أنه زاد في أسماء الجهات، والمحال كذا وكذا".

وهذا القول مضطرب شديد الاضطراب؛ لأنه ينبغي على قياسه أن يكون جناح الذل في قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} ١ زيادة في أسماء الطيور، وذلك أنه زاد في أسماء الطيور اسمًا هو الذل، وهكذا يجري الحكم في الأقوال الشعرية كقول أبي تمام٢:

لبست سواه أقوامًا فكانوا ... كما أغنى التيمم بالصعيد

فزاد في أسماء اللباس اسمًا، هو الآدمي، وهذا مما يضحك منك، نعوذ بالله من الخطل!!

والاتساع في المجال لا يقال فيه كذا، وإنما يقال: هو أن تجري صفة من الصفات على موصوف ليس أهلًا لأن تجري عليه؛ لبعد بينه وبينها، كقول أبي الطيب المتنبي:

إثلث فإنا أيها الطلل ... نبكي وترزم تحتنا الإبل

فإنه أجري الكلام على ذلك، وإنما يستعمل طلبًا للاتساع في أساليب الكلام، لا لمناسبة بين الصفة والموصوف؛ إذ لو كان لمناسبة لما كان ذلك اتساعًا، وإنما كان ضربًا من القياس في حمل الشيء على ما يناسبه ويشاكله، وحينئذٍ يكون ذلك تشبيهًا أو استعارة، على ما أشرت إليه من قبل.


١ سورة الإسراء: الآية ٢٤.
٢ ديوان أبي تمام ١٠٧ من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي، ومطلعها:
أظن دموعها سنن الفريد ... وهي سلكاه من نحر وجيد

<<  <  ج: ص:  >  >>