وإذا عرف مواقع البلاغة وأسرار الفصاحة المودعة في تأليف القرآن اتخذه بحرًا يستخرج منه الدرر والجواهر، ويودعها مطاوي كلامه.
٧- حفظ الأخبار النبوية، مما يحتاج إلى استعماله، فإن الأمر في ذلك يجري مجرى القرآن الكريم.
٨- ما يختص بالناظم دون الناثر، وذلك معرفة العروض، وما يجوز فيه من الزحاف، وما لا يجوز، فإن الشاعر محتاج إليه، وإن كان النظم مبنيًّا على الذوق، ولكن الذوق قد ينبو عن الزحافات. ويكون ذلك جائزًا في العروض، وقد ورد للعرب مثله، فإذا كان الشاعر غير عالم به، لم يفرق بين ما يجوز من ذلك وما لا يجوز.
وكذلك يحتاج الشاعر أيضًا إلى معرفة علم القوافي، ليعلم الروي والردف، وما يصح من ذلك وما لا يصح.
وقد اشترط ابن الأثير قبل تحصل تلك المعارف جميعها أن يكون الله تعالى قد ركَّب في الأديب طبعًا قابلًا لهذا الفن، ورأى أن صاحب هذه الصناعة يحتاج إلى التشبث بكل فنٍّ من الفنون، حتى إنه يحتاج إلى معرفة ما تقوله النادبة بين النساء، والماشطة عند جلوة العروس, وإلى ما يقوله المنادي على السلعة في السوق، والسبب في ذلك أنه مؤهَّل لأن يهيم في كل واد، فيحتاج أن يتعلق بكل فن؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن، وقد يستفيدها أهلها من غير أهلها.
وهكذا يغالي ابن الأثير في ثقافة الأديب، ويرى أنها لا حصر لمواردها، ويذهب إلى أن البيان كالجمال، لا نهاية لكل منهما.
ولقد كان ضياء الدين على حظٍّ عظيم من تلك الثقافات، كما يشهد لذلك هذا الكتاب، وما أودع من فنونها الكثيرة التي حصلها بجده، والطبع الأصيل الذي منحه الله إياه، وكل ركن من الأركان التي ذكرها، وكل آلة من الآلات التي أوجب أن تكون طوع يمين الكاتب، فقد عني نفسه في البحث عنها في مظانِّها.
والواقع أن أكثر ما ذكر ضياء الدين من أصول فن الأدب، وما يسمو به وما ينحط