ولقد كان ابن الأثير أديبًا من كبار أدباء العرب، وكاتبًا من كتابهم المعدودين, والكاتب -كما يرى ابن الأثير- ينبغي أن يتعلق بكل علم، وفي رأيه أن كل ذي علم يسوغ له أن ينسب نفسه إليه، فيقال: فلان النحوي, وفلان الفقيه، وفلان المتكلم. ولا يسوغ له أن ينسب إلى الكتابة، فيقال: فلان الكاتب، وذلك لما يفتقر إليه الكاتب من الحوض في كل فن.
وبمثل هذه النظرة إلى الأديب الكاتب وما ينبغي له، نظر ابن الأثير إلى البلاغي أو صاحب البيان، وذهب إلى أنه لا ينبغي له أن يقدِّم على هذا العلم إلّا إذا اكتملت لديه ألوان ثمانية من المعارف، وهي:
١- معرفة علم العربية من النحو والتصريف.
٢- معرفة ما يحتاج إليه من اللغو، وهو المتداول المألوف استعماله في فصيح الكلام غير الوحشي الغريب، ولا المستكره المعيب.
٣- معرفة أمثال العرب وأيامهم، ومعرفة الوقائع التي جاءت في حوادث خاصة بأقوام، فإن ذلك جرى مجرى الأمثال أيضًا.
٤- الاطلاع على كلام المتقدمين من المنظوم والمنثور. فإن في ذلك فوائد جمة؛ لأنه يعلم منه أغراض الناس ونتائج أفكارهم, ويعرف به مقاصد كل فريق منهم، وإلى أين ترامت به صنعته في ذلك، فإن هذه الأشياء مما تشحذ القريحة، وتذكي الفطنة، وإذا كان صاحب الصناعة عارفًا بها تصير المعاني التي ذكرت، وتعب في استخراجها، كالشيء الملقى بين يديه يأخذ منه ما أراد، ويترك ما أراد، وإذا كان مطلعًا على المعاني المسبوق إليها فإنه قد يتهيأ له من بينها معنًى غريب لم يسبق إليه.
٥- معرفة الأحكام السلطانية من الإمامة والإمارة والقضاء والحسبة وغير ذلك، لما يحتاج إليه الكاتب عارفًا بالحكم في الحوادث واختلاف أقوال العلماء فيها، وما هو رخصة في ذلك، وما ليس برخصة، فإنه لا يستطيع أن يكتب كتابًا ينتفع به.
٦- حفظ القرآن الكريم، فإن صاحب هذه الصناعة ينبغي له أن يكون عارفًا به؛ لأن فيه فوائد كثيرة؛ منها أن يضمِّن كلامه بالآيات في أمكانها اللائقة بها، واستعمالها في مواضعها المناسبة لها، ولا شبهة فيما يصير للكلام بذلك من الفخامة والجزالة والرونق