للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثاني عشر: الزيادة في الكلام لغير فائدة

كقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} ١ فـ"ما" ههنا زائدة لا معنى لها: أي فبرحمة من الله لنت لهم.

وهذا القول لا أراه صوابًا، وفيه نظر من وجهين:

أحدهما: أن هذا القسم ليس من المجاز؛ لأن المجاز هو دلالة اللفظ على غير ما وضع له في أصل اللغة، وهذا غير موجود في الآية، وإنما هي دالة على الوضع اللغوي المنطوق به في أصل اللغة.

والوجه الآخر: أني لو سلمت أن ذلك من المجاز لأنكرت أن لفظة "ما" زائدة لا معنى لها، ولكنها وردت تفخيمًا لأمر النعمة التي لان بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: وهي محض الفصاحة: ولو عري الكلام منها لما كانت له تلك الفخامة.

وقد ورد مثلها في كلام العرب، كالذي يحكى عن الزباء، وذاك أن الوضاح الذي هو جذيمة الأبرش٢ تزوجها، والحكاية في ذلك مشهورة، فلما دخل عليها كشفت له عن فرجها، وقد ضفرت الشعر من فوقه ضفيرتين، وقالت: "أذات عرس ترى، إما إنه ليس ذلك من عوز المواس، ولا من قلة الأواس، ولكنه شيمة ما أناس".

فمعنى الكلام: ولكنه شيمة أناس، وإنما جاءت لفظة "ما" ههنا تفخيمًا لشأن صاحب تلك الشيمة، وتعظيمًا لأمره، ولو أسقطت لما كان للكلام ههنا هذه الفخامة والجزالة، ولا يعرف ذلك إلا أهله من علماء الفصاحة والبلاغة.

وأما الغزالي -رحمه الله- تعالى، فإنه معذور عندي في ألا يعرف ذلك؛ لأنه ليس فنه.


١ سورة آل عمران: الآية ١٥٩.
٢ كان جذيمة الأبرش ملك ما على شاطئ الفرات، وكانت الزباء ملكة الجزيرة، وكان يقال: جذيمة الأبرش وجذيمة الوضاح، وذلك أنه كان أبرص، فهابت العرب أن تقوله، فقالت: "الأبرش" وكانت تقول للذي به البرص: به وضح، تفاديا من البرص، فقالوا: جذيمة الوضاح، وهو جاهلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>