للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه أقسام المجاز التي ذكرها الغزالي -رحمه الله تعالى- وقد بينت فساد التقسيم فيها، وأنها ترجع إلى ثلاثة أقسام هي: التوسع والتشبيه والاستعارة.

وحيث انتهى بي الكلام إلى ههنا، وفرغت مما أردت تحقيقه، وبينت ما أردت بيانه، فإني أتبع ذلك بضرب الأمثلة للاستعارة التي يستفيد بها المتعلم ما لا يستفيده بذكر الحد والحقيقة.

فمما جاء من ذلك في القرآن الكريم، قوله تعالى في أول سورة إبراهيم صلوات الله عليه: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ١.

فالظلمات والنور: استعارة للكفر والإيمان، أو للضلال والهدى، والمستعار له مطوي الذكر، كأنه قال: لتخرج الناس من الكفر الذي هو كالظلمة إلى الإيمان الذي هو كالنور.

وكذلك ورد قوله تعالى في هذه السورة أيضًا: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ٢.

والقراءة برفع: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ليست من باب الاستعارة، ولكنها في نصب "تزول"، واللام لام "كي"، والجبال ههنا: استعارة طوي فيها ذكر المستعار له، وهو أمر رسول الله، "وما جاء به من الآيات والمعجزات: أي أنهم مكروا مكرهم لكي تزول منه هذه الآيات، والمعجزات التي هي في ثباتها، واستقرارها كالجبال.

وعلى هذا ورد قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} ٣.

فاستعار الأودية للفنون، والأغراض من المعاني الشعرية التي يقصدونها، وإنما خص الأودية بالاستعارة، ولم يستعر الطرق والمسالك أو ما جرى مجراها؛ لأن معاني الشعر


١ سورة إبراهيم: الآية ١.
٢ سورة إبراهيم: الآية ٤٦.
٣ سورة الشعراء، الآية: ٢٢٤، ٢٢٥، ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>