للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متمطيًا من أجل امتداده، واسم "الكلكل" وجعله نائيًا لتثاقله، واسم "العجز" من أجل نهوضه"١.

فقال ابن سنان الخفاجي معترضًا عليه: "إن هذا الذي ذكره الآمدي ليس بمرضي غاية الرضا، وإن بيت امرئ القيس" ليس من الاستعارة الجيدة، ولا الرديئة، بل هو وسط، فإن الآمدي قد أفصح بأن امرأ القيس لما جعل لليل وسطًا ممتدًا استعار له الصلب، وجعله متمطيًا من أجل امتداده، وحيث جعل له آخرًا، وأولًا استعار له عجزًا وكلكلًا، وهذا كله إنما يحسن بعضه مع بعض، فذكر الصلب إنما يحسن من أجل العجز والوسط، والتمطي من أجل الصلب، والكلكل لمجموع ذلك، وهذه استعارة مبنية على استعارة أخرى"٢.

هذا حكاية كلامه في الاعتراض على الآمدي.

وفيه نظر من وجهين:


١ تصرف ابن الأثير في نقل كلام الآمدي، وهذا نصه نقلا عن الموازنة "٢١٤": وقد عاب أمرأ القيس بهذا المعنى من لم يعرف موضوعات المعاني، ولا المجازات، وهو في غاية الحسن والجودة والصحة، وهو إنما قصد وصف أجزاء الليل الطويل، فذكر امتداده ووسطه، وتثاقل صدره للذهاب والانبعاث، وترادف أعجازه وأواخره شيئا فشيئا، وهذا عندي منتظم لجميع نعوت الليل الطويل على هيئته، وذلك أشد ما يكون على من يراعيه، ويرتقب تصرمه، فلما جعل له وسطا يمتد، وأعجازا رادفة الوسط، وصدرا متثاقلا في نهوضه، حسن أن يستعير للوسط اسم الصلب، وجعله متمطيا من أجل امتداده؛ لأن تمطي وتمدد بمنزلة واحدة، وصلح أن يستعير للصدر اسم الكلكل، من أجل نهوضه. وهذا أقرب الاستعارات من الحقيقة، وأسد وأشد ملاءمة لما استعيرت له".
٢ تصرف ابن الأثير أيضا في نقل كلامه الخفاجي، وهذا نصه نقلا عن سر الفصاحة "١٢٩": "وهذا الذي قاله أبو القاسم لا أرضى به غاية الرضا، ولو كنت أسكن إلى تقليد أحد من العلماء بهذه الصناعة، أو أجنح إلى اتباع مذهبه من غير نظر، وتأمل لم أعدل بقوله: أبو القاسم، لصحة فكره، وسلامة نظره، وصفاء ذهنه، وسعة علمه، لكنني أغلب الحق عليه، ولا أتبع الهوى فيما يذهب إليه، وبيت امرئ القيس عندي ليس من جيد الاستعارة ولا رديئها، بل هو من الوسط بينهما، وإنما قلت ذلك؛ لأن أبا القاسم قد أفصح بأن القيس لما جعل لليل وسطا، وعجزا استعار له اسم الصلب، وجعله متمطيا من أجل امتداده، وذكر الكلكل من أجل نهوضه، فكل هذا إنما يحسن بعضه لأجل بعض، فذكر الصلب إنما حسن لأجل العجز، والوسط والتمطي لأجل الصلب، والكلكل لمجموع ذلك، وهذه الاستعارة المبنية على غيرها، فلذلك لم أر أن أجعلها من أبلغ الاستعارة، وأجدرها بالحمد والوصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>