للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، بل إن شئنا قدمناه، وإن شئنا أخرناه، فقلنا: الكمأة للأرض كالجدري، أو الكمأة كالجدري للأرض، وإذا كان المضاف إليه نكرة، فلا بد من تقديمه عند تقدير أداة التشبيه؛ فمن ذلك قول البحتري١:

غمام سماحٍ لا يغب له حيًا ... ومسعر حربٍ لا يضيع له وتر٢

فإذا قدرنا أداة التشبيه ههنا قلنا: سماح كالغمام: ولا يقدر إلا هكذا، والمبتدأ في هذا البيت محذوف، وهو الإشارة إلى الممدوح، كأنه قال: هو غمام سماح.

ومن هذا النوع ما يشكل تقدير أداة التشبيه فيه، على غير العارف بهذا الفن، كقول أبي تمام:

أي مرعى عينٍ ووادي نسيب ... لحبته الأيام في ملحوب٣

ومراد أبي تمام أن يصف هذا المكان بأنه كان حسنًا، ثم زال عنه حسنه، فقال: إن العين كانت تلتذ بالنظر إليه كالتذاذ السائمة بالمرعى، فإنه كان يشبب به في الأشعار لحسنه وطيبه.

وإذا قدرنا أداة التشبيه ههنا قلنا: كأنه كان للعين مرعى، وللنسيب منزلًا ومألفًا.

وإذا جاء شيء من الأبيات الشعرية على هذا الأسلوب، أو ما يجري مجراه فإنه يحتاج إلى عارف بوضع أداة التشبيه فيه.


١ ديوان البحتري ١/ ٥٤ من قصيدة يمدح فيها المتوكل، ومطلعها:
متى لاح برق أو بدا طلل قفر ... جرى مستهل لا بكئ ولا نزر
٢ في الأصل يجب بالحاء المهملة، وهو تحريف، وفي الديوان ما يغيب "وما يضيع".
٣ ديوان أبي تمام ٣٦ والبيت مطلع قصيدة له في مدح سليمان بن وهب، قال الصولي: ويرويه قوم "أي مرعى عين" بكسر العين، وهو تصحيف، إنما يريد "مرعى عين" بفتح العين، جعل نظرها إلى الحسان رعيالها، ويروى من ملحوب"، وقوله: "وادي نسيب" أي كان هذا الوادي فيه أهل، يستحقون أن يقال فيهم النسيب، وملحب اسم موضع، وتردده في الشعر كثير، ولحيته من شدد الحاء فهو من قولهم: "لحبت القتيل" إذا صرعته، وقال قوم: لحبه إذا قطعه بالسيف، وقيل: معنى لحبه أي ألقاه على الطريق الواضح، وهو اللاحب، ومن روى لحبته بالتخفيف فهو من القشر، يقال: لحب للحم إذا فشره -وانظر ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي ١/ ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>