للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الثالث، فكقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم"، كأنه قال: كلام الألسنة كحصائد المناجل.

وهذا القسم لا يكون المشبه به مذكورًا فيه، بل تذكر صفته، ألا ترى أن المنجل لم يذكر ههنا، وإنما ذكرت صفته، وهي الحصد، وكل ما يجيء من هذا القسم، فإنه لا يرد إلا كذلك.

وأما القسم الرابع والخامس اللذان هما أشكل الأقسام المذكورة في تقدير أداة التشبيه فيهما فإنهما، لا يتفطن لهما أنهما تشبيه.

فمما جاء من القسم الرابع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ١ وتقدير أداة التشبيه في هذا الموضع أن يقال: هم في إيمانهم كالمتبوئ دارًا؛ أي أنهم قد اتخذوا الإيمان مسكنًا يسكنونه، يصف بذلك تمكنهم منه.

وعلى هذا ورد قول أبي تمام:

نطقت مقلة الفتى الملهوف ... فتشكت بفيض دمعٍ ذروف٢

وإذا أردنا أن نقدر أداة التشبيه ههنا قلنا: دمع العين كنطق اللسان، أو قلنا: العين الباكية كأنما تنطق بما في الضمير.

وأما ما جاء من القسم الخامس، فكقول الفرزدق٣ يهجو جريرًا٤:


١ سورة الحشر: الآية ٩.
٢ ديوان أبي تمام ٤٠٤ مطلع قصيدة له في ابن أبي سعيد يعاتبه.
٣ الفرزدق هو أبي فراس همام بن غالب التميمي الدارمي، أحد فحول الشعراء الأمويين، نشأ بالبصرة والبادية يروي الشعر، ويعالجه حتى نبغ فيه، واتصل بولاة العراق، يمدحهم ويهجوهم، ورحل إلى دمشق يمدح الخلفاء، وينال جوائزهم وله مع جرير نقائض تعد وثيقة تاريخية لعصرهما، والكثير من أيام العرب وأحوالهم في الجاهلية والإسلام، ويمتاز شر الفرزدق بخشونة الألفاظ، ووعورة المعاني، والميل إلى الفخر في هجائه، والفحش في غزله، وقد مات سنة ١١٤هـ.
٤ ينتسب أبو حزرة جرير بن عطية بن الخطفي إلى يربوع من تميم، كما ينتسب الفرزدق إلى دارم بن تميم كذلك، وقد ولد باليمامة، ونشأ في البادية يأخذ الشعر عن أسرته وغيرها، ويتكسب به لدى الولاة والخلفاء، حتى اشتبك مع الفرزدق في التهاجي والتساب، لعوامل سياسية واجتماعية، ومات الفرزدق بقليل سنة ١١٤ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>