للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البطش، وجراءة الإقدام وغير ذلك مما يجري مجراه، إلا أنا لم نجد شيئًا ندل به عليه سوى أن جعلناه شبيهًا بالأسد، حيث كانت هذه الصفات مختصة به، فصار ما قصدناه من هذا القول أكشف، وأبين من أن لو قلنا: زيد شهم شجاع قوي البطش جريء الجنان، وأشباه ذلك، لما قد عرف وعهد من اجتماع هذه الصفات في المشبه -أعني الأسد- وأما زيد الذي هو المشبه، فليس معروفًا بها، وإن كانت موجودة فيه.

وكلا هذين القسمين أيضًا يختص بفضيلة الإيجاز، وإن كان المضمر أوجز من المظهر؛ لأن قولنا: "زيد أسد"، أو"كالأسد"، يسد مسد قولنا: زيد من حاله كيت وكيت، وهو من الشجاعة والشدة على كذا وكذا، مما يطول ذكره.

فالتشبيه إذًا يجمع صفات ثلاثة، هي: المبالغة والبيان والإيجاز، كما أريتك، إلا أنه من بين أنواع علم البيان مستوعر الذهب، وهو مقتل من مقاتل البلاغة.

وسبب ذلك أن حمل الشيء على الشيء بالمماثلة إما صورة، وإما معنى يعز صوابه وتعمر الإجادة فيه، وقلما أكثر منه أحد إلا عثر، كما فعل ابن المعتز١ من أدباء العراق، وابن وكيع٢ من أدباء مصر، فإنهما أكثرا من ذلك لا سيما في وصف الرياض والأشجار، والأزهار والثمار، لا جرم أنهما أتيا بالغث البارد الذي لا يثبت على محك الصواب.

فعليك أن تتوقى ما أشرت إليه.


١ هو أبو العباس عبد الله بن المعتز بالله الخليفة العباسي، ولد سنة ٢٤٩هـ. وقد نشأ وتربى ترية الخلفاء، وأخذ العلم والأدب عن علماء عصره، وأولع بالشعر ونبغ فيه، ولما خلع المقتدر لعسف الأتراك من شيعته بويع عبد الله هذا بالخلافة، ولكن جند المقتدر، والأتراك حملوا على دار ابن المعتز، وقاتلوا أصحابه حتى هزموهم، وقبضوا على الخليفة، وقتلوه أول ليل من حكمه سنة ٢٩٦هـ، وقد برع في الشعر لا سيما الأوصاف، ويمتاز شعره بطابع الترف ورقة الأسلوب، وهو صاحب كتاب البديع الذي يعد أول كتاب في البلاغة العربية وغيره.
٢ هو أبو محمد الحسن بن علي.... الضبي المعروف بابن وكيع التنيسي الشاعر المشهور.
أصله: من بغداد، ومولده بتنيس، ذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر. وقال في حقه: شاعر=

<<  <  ج: ص:  >  >>