فإن قيل: إنك قدمت في باب الاستعارة بأن التشبيه المضمر الأداة يحسن تقدير أداة التشبيه فيه، والاستعارة لا يحسن تقدير أداة التشبيه فيها، وجعلت ذلك هو الفرق بين التشبيه المضمر الأداة بين الاستعارة، وقررت ذلك تقريرًا طويلًا عريضًا، ثم نراك قد نقضته ههنا بقولك: إن من التشبيه المضمر الأداء ما يشكل تقدير أداة التشبيه فيه، وإنه يحتاج في تقديرها إلى نظر، كهذين البيتين المذكورين للفرزدق، وما يجري مجراهما.
فالجواب عن ذلك أني أقول: هذا الذي ذكرته لا ينقص علي شيئًا مما قدمت القول فيه في باب الاستعارة؛ لأني قلت: إن التشبيه المضمر الأداة يحسن تقدير الأداة فيه، أي لا يتغير بتقديرها فيه عن صفته التي اتصف بها من فصاحة وبلاغة، وليس كذلك الاستعارة، فإنها إذا قدرت أداة التشبيه فيها تغيرت عن صفتها التي اتصفت بها من فصاحة وبلاغة.
وأما الذي ورد ههنا من بيتي الفرزدق، وما يجري مجراهما من التشبيه المضمر الأداة، فإن أداة التشبيه لا تقدر فيه، وهو على حالته من النظم، حتى تتبين هل تغيرت صفته التي اتصف بها من فصاحة وبلاغة أم لا؟، وإنما تتقدر أداة التشبيه فيه على وجه آخر، وهذا لا ينقض ما أشرت إليه في باب الاستعارة.
وإذا ثبتت هذه الأقسام الأربعة فأقول: إن التشبيه المضمر أبلغ من التشبيه المظهر وأوجز.
أما كونه أبلغ فلجعل المشبه مشبهًا به من غير واسطة أداة، فيكون هو إياه، فإنك إذا قلت:"زيد أسد"، كنت قد جعلته أسدًا من غير إظهار أداة التشبيه.
وأما كونه أوجز، فلحذف أداة التشبيه منه.
وعلى هذا فإن القسمين من المظهر، والمضمر كليهما في فضيلة البيان سواء، فإن الغرض المقصود من قولنا:"زيد أسد" أن يتبين حال زيد في اتصافه بشهامة النفس، وقوة