للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيل به إلى السامع خيالًا يحسن الشيء عنده تارة، ويقبحه أخرى؟ ولولا التوصل بطريق التشبيه على هذا الوجه لما أمكنه ذلك.

وهذا المثال كاف فيما أردناه.

واعلم أن محاسن التشبيه أن يجيء مصدريًا، كقولنا: أقدم إقدام الأسد، وفاض فيض البحر، وهو ما أحسن ما استعمل في باب التشبيه، كقول أبي نواس في وصف الخمر١:

ثم لما مزجوها ... وثبت وثب الجراد٢

ثم لما شربوها ... أخذت أخذ الرقاد٣

وقيل: إن من شرط بلاغة التشبيه أن يشبه الشيء بما هو أكبر منه وأعظم.

ومن ههنا غلط بعض الكتاب من أهل مصر في ذكر حصن من حصون الجبال مشبهًا له، فقال: "هامةٌ عليها من الغمامة عمامة، وأنملة خضبها الأصيل، فكان الهلال منها قلامة".

وهذا الكاتب حفظ شيئًا، وغابت عنه أشياء!!

فإنه أخطأ في قوله: "أنملة" وأي مقدار للأنملة إلى تشبيه حصن على رأس جبل؟

وأصاب في المناسبة بين ذكر الأنملة والقلامة، وتشبيهها بالهلال.


١ ديوان أبي نواس ٢٦٥ من قصيدة خمرية له أولها:
اسقنيها بسواد ... قبل تغريد المنادى
في الأصل "وإذا ما مزجوها" موضع ثم لما مزجوها، والتصويب عن الديوان.
٣ في الأصل "وإذا ما شربوها" موضع "ثم لما شربوها" والتصويب عن الديوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>