للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل:

إن هذا الكاتب تأسى فيما ذكره بكلام الله تعالى حيث قال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} ١ فمثل نوره بطاقةٍ فيها ذبالة.

وقال الله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ٢ فمثل الهلال بأصل عذق النخلة.

فالجواب عن ذلك أني أقول:

أما تمثيل نور الله تعالى بمشكاة فيها مصباح، فإن هذا مثال ضربه للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويدل عليه أنه قال: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} .

وإذا نظرت إلى هذا الموضع وجدته تشبيهًا لطيفًا عجيبًا، وذاك أن قلب النبي -صلى الله عليه وسلم، وما ألقي فيه من النور، وما هو عليه من الصفة الشفافة، كالزجاجة التي كأنها كوكب لصفائها وإضاءتها.

وأما الشجرة المباركة التي لا شرقية ولا غربية، فإنها عبارة عن ذات النبي -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من أرض الحجاز التي لا تميل إلى الشرق، ولا إلى الغرب.

وأما زيت هذه الزجاجة، فإنه مضيء من غير أن تمسه نار، والمراد أن فطرته فطرةٌ صافية من الأكدار، منيرة من قبل مصافحة الأنوار.

فهذا هو المراد بالتشبيه الذي ورد في هذه الآية.

وأما الآية الأخرى، فإنه شبه الهلال فيها بالعرجون القديم، وذلك في هيئة نحوله واستدارته، لا في مقداره، فإن مقدار الهلال عظيم، ولا نسبة للعرجون إليه، لكنه في مرأى النظر كالعرجون هيئةً، لا مقدارًا.


١ سورة النور: الآية: ٣٥.
٢ سورة يس: الآية: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>