للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما هذا الكاتب، فإن تشبيهه ليس على هذا النسق؛ لأنه شبه صورة الحصن بأنملة في المقدار، لا في هيئة والشكل.

وهذا غير حسن ولا مناسب، وإنما ألقاه فيه أنه قصد الهلال، والقلامة مع ذكر الأنملة، فأخطأ من جهة، وأصاب من جهة، لكن خطؤه غطى على صوابه.

والقول السديد في بلاغة التشبيه هو ما أذكره، وهو: أن إطلاق من أطلق قوله في أن من شرط بلاغة التشبيه أن يشبه الأصغر بالأكبر غير سديد، فإن هذا قول غير حاصرٍ للغرض المقصود؛ لأن التشبيه يأتي تارة في معرض المدح، وتارة في معرض الذم، وتارة في غير معرض مدح ولا ذم، وإنما يأتي قصدًا للإبانة والإيضاح، ولا يكون تشبيه أصغر بأكبر، كما ذهب إليه من ذهب.

بل القول الجامع في ذلك أن يقال: إن التشبيه لا يعمد إليه إلا لضرب من المبالغة: فإما أن يكون مدحًا أو ذمًا، أو بيانًا أو إيضاحًا، ولا يخرج عن هذه المعاني الثلاثة.

وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد فيه من تقدير لفظة "أفعل"، فإن لم تقدر لفظة "أفعل"، فليس بتشبيه بليغ، ألا ترى أنا نقول في التشبيه المضمر الأداة: "زيد أسد"، فقد شبهنا زيدًا بأسد الذي هو أشجع منه، فإن لم يكن المشبه به في هذا المقام أشجع من "زيد" الذي هو المشبه، وإلا كان التشبيه ناقصًا، إذ لا مبالغة فيه.

وأما التشبيه المظهر الأداة فكقوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} ١، وهذا تشبيه كبير بما هو أكبر منه؛ لأن خلق السفن البحرية كبير، وخلق الجبال أكبر منه.


١ سورة الرحمن، الآية: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>