للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر أيهما المنتمي إلى الفن كيف ذهب على البحتري مثل هذا

الموضوع على قربه، مع تقدمه في صناعة الشعر؟، وليس في ذلك كبير أمر، سوى أن كان قدم ما أخر لا غير.

وإنما يعذر الشاعر في مثل هذا المقام إذا حكم عليه الوزن والقافية، واضطر إلى ترك ما يجب عليه، وأما إذا كانت الحال التي ذكرها البحتري، فحينئذ لا عذر له.

وسيأتي باب مفرد في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وهو باب "ترتيب التفسير".

وكذلك ورد قول البحتري١:

في معركٍ ضنكٍ تخال به القنا ... بين الضلوع إذا انحنين ضلوعا

ومن تشبيه المفرد بالمفرد قول أبي الطيب المتنبي٢:

خرجن من النقع في عارض ... ومن عرق الركض في وابل٣

فلما نشفن لقين السياط ... بمثل صفا البلد الماحل٤

وقد حوى هذان البيتان قرب التشبيه مع براعة النظم، وجزالة اللفظ.

وأما القسم الثاني: وهو تشبيه المركب بالمركب، فمما جاء منه مضمر الأداة ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث يرويه معاذ بن جبل -رضي الله عنه- وهو حديث طويل: "يشتمل على فضائل أعمال متعددة، ولا حاجة إلى إيراده ههنا على


١ ديوان البحتري ١/ ١٦٨ من قصيدة في مدح محمد بن يوسف ومطلعها:
فيم ابتداركم الملام ولوعا ... أبكيت إلا دمنة وربوعا
٢ ديوان المتنبي ٣-٣٤ من قصيدة له في مدح سيف الدولة، ويذكر فيها استنقاذه أبا وائل تغلب بن داود من الأسر، ومطلعها:
إلام طماعية العاذل ... ولا رأى في الحب للعاقل
٣ النقع الغبار: والعارض السحاب، والوابل المطر الكثير.
٤ الصفا الصخر، والسياط جمع سوط، والماحل الذي لم يمطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>